ذَهَبَ الثَّعْلَبُ يومًا إِلَى بُحَيْرَةِ الماءِ لِيَشْرَبَ ، فَقَدْ كَانَ اَلْجَوُّ حارَّا والشَّمْسَ شَديدَةٌ ، وَبَعْدَ أَنْ ارْتَوَى نَظَرَ الثَّعْلَبُ إِلَى صورَتِه فِي الماءِ فَأَعْجَبَهُ شَكْلُهُ. فَقَدْ كَانَ مَفْتولَ العَضَلاتِ وتَبْدُو عَلَيْهِ عَلاماتُ القوَّةِ ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ :
سَوْفَ أَثْبَتَ لِلْجَميعِ أَنَّنِي الأَقْوَى .
وَسَارَ الثَّعْلَبُ عائدًا وَفِي الطَّريقِ قابِلٌ اَلْقِرْدَ فَدَفَعَهُ بِقوَّةٍ دونَ سَبَبٍ ، وَقَالَ لَهُ :
أَتَدْرِي مِنْ أَنَا ؟ فَرَدُّ عَلَيْهِ اَلْقِرْدُ :
مَا هَذَا ؟ أَنْتَ الثَّعْلَبُ جَارُنَا اَلَّذِي يَعيشَ قريبًا مِنَّا .
هَا ، أَنَا الثَّعْلَبُ مَلِكِ الثَّعالِبِ وَمِنْ يعادينيْ فَأَنَا دائمًا غالِب .
هَذَا ظُلْمٌ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ .
فَلْيَكُنْ .
وَتَرَكَه الثَّعْلَبُ وَمَضَى باحثًا عَنْ حَيَوانٍ آخَرَ يَسْتَعْرِضُ عَلَيْهِ قوَّتَه ، فَوَجَدَ كلبًا ضعيفًا فَاعْتَدَىَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ الكَلْبُ :
لَمْ أؤذكْ فِي شَيْءٍ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ ؟ فَرَدِّ الثَّعْلَبِ بِاسْتِكْبارٍ :
أَنَا الثَّعْلَبُ مَلِكِ الثَّعالِبِ وَمِنْ يعادينيْ فَأَنَا غالِب .
وَتَرَكَه وَمَشَى .
أَخَذَت فِكْرَةُ القوَّةِ تَلْعَبَ بِرَأْسِ الثَّعْلَبِ وَأَخَذَ يُكَرِّرَ اعْتِداءاتِه عَلَى عَدَدٍ آخَرَ مِنْ الحَيَوَانَاتِ الضَّعيفَةِ حَتَّى ضجّوا مِنْهُ جميعًا ، وَذَهَبُوا يَشْكَون إِلَى الفيلِ ظُلْمِ الثَّعْلَبِ لَهُمْ .
فَقَالَ الفيلَ لِلْحَيَواناتِ :
لَقَدْ أَصَابَهُ مَرَضُ الغُرورِ ، وَسَوْفَ أُرْسِلُ لَهُ طبيبًا كَيْ يُعْطيَه الدَّواءُ المُناسِبَ .
قَالَتْ الحَيَوَانَاتِ :
أَيّْ دَواءٍ يَنْفَعَ مَعَهُ ؟ أَرْجُو أَنْ تَنْتَظِرَوا حَتَّى تَرَوْا الطَّبيبِ والْعِلاجِ .
فَقَالُوا جميعًا ، لِنَنْتَظِرَ .
أَرْسَلَ الفيلَ إِلَى النَّمِرِ مَنْصورٍ وَحَكَى لَهُ قِصَّةٌ الثَّعْلَبِ مَعَ الحَيَوَانَاتِ ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَتَوَلَّى حلّ المُشْكِلَةِ .
وَذَهَبَ النَّمِرُ مَنْصورٍ فِي اتِّجاهِ الثَّعْلَبِ مَلِكِ الثَّعالِبِ وَدَفَعُه قوَّةً ، صَرَخَ الثَّعْلَبِ وَقَالَ لَهُ :
لِمَاذَا تدفعنيْ هَكَذَا ؟ لَمْ أؤذكْ فِي شَيْءٍ .
فَضَحِكَ النَّمِرُ وَقَالَ :
هَا ، أَنَا النَّمِرُ مَنْصور وَمِنْ يُصارعنيْ فَأَنَا مَلِكَ النُّمورِ .
وَتَرَكَه وَمَشَى ، وَفِي اليَوْمِ التَّالِي قَابَلَهُ النَّمِرُ مِنْ جَديدِ وَدَفَعِه مَرَّةً ثانيَةً ، وَفِي اليَوْمِ الثّالِثِ كَرَّرَ نَفْسَ الفِعْلَةِ مَعَهُ .
وَكُلَّمَا اعْتَرَضَ الثَّعْلَبُ قَالَ النَّمِرُ مَنْصور :
أَنَا النَّمِرُ مَنْصور وَمِنْ يصارعنيْ فَأَنَا مَلِكَ النُّمورِ .
جَلَسَ الثَّعْلَبِ حزينًا فَمَرَّ بِهِ اَلْقِرْدِ وَقَالَ لَهُ :
مالي أَراكَ حزينًا يَا مَلِكِ الثَّعالِبِ ؟ إِنَّ النَّمِرَ يظلمنيْ وَيُؤْذِينِي دونَ أَنْ أُؤْذيَه فِي شَيْءٍ .
وَهَلْ آذَتْك الحَيَوَانَاتِ فِي شَيْءٍ حِينَمَا كُنْت تُؤْذيَها وَتَقُولُ عَنْ نَفْسِك أَنَّكَ مَلِكُ الثَّعالِبِ وَمِنْ يعادينيْ فَأَنَا دَائِمًا غالِبٌ .
الآنَ فَهِمَت .
وَنَدِمَ الثَّعْلَبُ عَلَى إيذائهِ لِجيرانِهِ الحَيَوَانَاتِ ، وَقَرَّرَ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ ظُلْمِهم ، وَذَهَبَ معتذرًا لَهُمْ .
وَشَكَرَتْ الحَيَوَانَاتِ الفيلَ عَلَى تَعاوُنِه مَعَهُمْ فِي حَلِّ مُشْكِلَتِهم ، كَمَا شَكَرُوا النَّمِرَ منصورًا مَلِكُ النُّمورِ.