لُقِب بلقمان الحكيم ولكن كان اسمه لقمان بن ياعور وكان ابن اخت سيدنا ايوب أوابن خالته. وقيل هو من اهل سودان مصر من قرية نوبة حبشي اسود البشرة ذو قدمين مشققتين وشعر مجعد . واختلفت الاقوال عن طبيعة عمله فمنهم من يقول انه نجار او خياط او راعي ،عاش في نفس الحقبة التي عاش فيها سيدنا داوود وهو لم يكن نبيا ولكنه تعلم من سيدنا داوود الحكمة والعلم الواسع حتى ان وهبه الله الحكمة وفيض من العلم فكان جوابه لا ينافسه جواب لانه لا ينطقه الا بعد تفكير.
فخيره الله ان يكون خليفة في الأرض يحكم فيها فأجابه بذكاء انت ربي فأن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء وان اجبرتني فأنت ربي ولك الطاعة ، عندها فرحت الملائكة لجوابه ولحكمته حتى اصبح في الأرض خليفة. فهناك سورة قرآنية سُميت باسمه، وهذا يدل على الشرف والمكانة والتكريم لقوله تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ….” (لقمان12). فالقرآن يشهد له أن ربنا أعطى له الحكمة. فسبحان الله بعد ان كان اضعف خلق الله اصبح افضلهم بحكمته.
وقد اشتهر بقصصه التي تتمثل فيها حكمته كما ذكر القرآن واكثر ما اشتهر به وصاياه لإبنه التي كانت تنم عن حكمته، ومن اشهر حكمه لجمهوره ولأبنه خاصة التي كان يبدأها: قال الله تعالي: “وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”.
صفات لقمان
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفات لقمان: (إنّ لقمان كان عبداً كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحبّ الله فأحبّه الله تعالى، فمنّ عليه بالحكمة).
نودي لقمان بالخلافة قبل داود ، فقيل له يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين النّاس بالحق؟ قال لقمان: إن أجبرني ربّي عزّ وجل قبلت، فإنّي أعلم أنّه إن فعل ذلك أعانني وعلّمني وعصمني، وإن خيّرني ربّي قبلت العافية ولا أسأل البلاء، فقالت الملائكة : يا لقمان لم؟ قال: لأنّ الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كلّ مكان، فيخذل أو يعان، فإن أصاب فبالحريّ أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ومن يكون في الدّنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ضائعاً، ومن يختار الدّنيا على الآخرة فاتته الدّنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومةً فغطّ بالحكمة غطّا، فانتبه فتكلّم بها.
ولقد اشتهر بحكم كثيرة تتكلم عن نواحي الحياه جميعها ويبدأها يا بني مثل :
- يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، و شاور في أمرك العلماء .
- لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عمله ، و لا تهاون بمقت الحكيم فيزهذه فيك .
- كن عبداً للأخيار و لا تكن خليلاً للأشرار .
- اعتزل عدوك ، و احذر صديقك ، و لا تتعرض لما لا يعنيك .
- من كتم سره كان الخيار بيده .
- يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله تبارك و تعالى ليحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل السماء .
- يا بني للحاسد ثلاث علامات : يغتاب صاحبه إن غاب ، ويتملق إذا شهد ويشمت بالمصيبة .
- كن غنياً تكن أميناً .
- لا تضع برك إلا عند راعيه .
- إن الدنيا معبرة فاعبرها ولا تعمرها .
- إنك قد استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة ، فأنت إلى دار تقرب منها أقرب من دار تتباعد عنها .
- إذا أردت أن توخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه و إلا فاحذره .
- لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء .
- أنزل الناس من صاحبك منزلة من لا حاجة له بك ولا بد لك منه .
- كن كمن لا يبتغي محمدة الناس و لا يكسب ذمهم ، فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة .
- امتنع بما يخرج من فيك فإنك ما سكتَّ سالم ، وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك ، إلى غير ذلك مما لا يحصى .
- اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة .
- يا بني : اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فاجر .
- ألا أن يد الله على أفواه الحكماء لا يتكلم أحدهم إلا ماهيأ الله له.
- اعتزل الشر يعتز لك فإن الشر للشر خلق .
- إياك وشدة الغضب فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم .
- لا تكن أعجز من هذا الديك ، الذي يصوت بالأسحار ، وأنت نائم في الأسحار .
- عليك بمجالسة العلماء ، و استمع كلام الحكماء ، فإن الله تعالى يحي القلب الميت بنور الحكمة ، كما يحي الأرض بوابل المطر ، فإن من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .
- يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حليم وفي رواية (عين حكيم ) .
- عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا ترد .
- من يحب المراء يشتم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن يصاحب قرين السوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم .
- لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ، فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت .
- ليس من شيء أطيب من اللسان والقلب إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .
- إن الله رضيني لك فلم يوصيني بك ولم يرضك لي فأوصاك بي .
- بابني من كان له من نفسه واعظ ، كان له من الله عز وجل حافظ .
- لا تأكل شبعاً على شبع ، فإن إلقاءك إياه للكلب خير من أن تأكله .
- ليكن أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة .
- ليس غنى كصحة ولا نعمة كطيب نفس .
- لا تجالس الفجار و لا تماشهم ، اتق أن ينزل عليهم عذاب من السماء فيصيبك معهم .
- جالس العلماء و ماشهم عسى أن تنزل عليهم رحمة فتصيبك معهم .
- حملت الجندل و الحديد و كل شيء ثقيل ، فلم أحمل شيئاً هو أثقل من جار السوء ، وذقت المرار فلم أذق شيئاً هو أمر من الفقر .
- لا ترسل رسولك جاهلاً ، فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك .
رحم الله لقمان الحكيم واملنا من الله ان يكون في امتنا اكثر من لقمان حتى يسير مركب الحياة ،ومن المعلوم ان وفاته لم تعرف اسبابها واختلفت الاقاويل عن مكان دفنه فمنهم من يقول في طبريا او في بيت لحم مولد عيسى المسيح ومنهم من يقول في اليمن.