عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خُسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه متفق عليه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه ، مرجّلٌ جمّته ، إذ خسف الله به ، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ) رواه البخاري .
وفي إحدى روايات مسلم : ( إن رجلا ممن كان قبلكم يتبختر في حلة..) الحديث.
شرح الحديث
ونستعرض في الحديث الذي نتناوله صورة قاتمة لنهاية أحد المتكبّرين الذين يزخر بهم الواقع ، نفث الشيطان فيه معاني الكبر والخيلاء ، فإذا به يتعاظم في المجالس ويتعالى على الخلق ، ويختال في مشيته كأنّه ليس في الأرض غيره ، ويرى الناس من طرف عينه ، ما زاده من الله بُعدا، ومن خلقه بُغضاً . وسنة الله جاريةٌ ألا يدع أحداً من المتكبّرين حتى يحطّم كبرياءه وغروره ويريه ضآلة نفسه ، فكان عقاب ذلك الرجل أنه في أحد الأيام وهو يمشي متبختراً كعادته إذا بالأرض تخسف من تحت قدميه حتى تبتلعه ، ثم تبدأ حياته البرزخيّة التي يلقى فيها ألواناً من العذاب الأليم جزاء تطاوله وغطرسته .
أما الخزي الأكبر ، ففي يوم القيامة ، حين يحشره الله جلّ جلاله مع إخوانه من المتكبّرين كفرعون وهامان وأبي جهل ، فيكونون صغاراً كأمثال الذرّ يطؤهم الناس بأقدامهم ، كما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : ( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار ، حتى يدخلوا سجناً في جهنم ، فتعلوهم النار ، ويسقون من طينة الخبال – عصارة أهل النار – ) رواه الترمذي .
العبر المستوحاة من الحديث
- التحذير من التكبر والإستعلاء.
- سوء عاقبة الكبر والخيلاء في الدنيا والآخرة.
- بعض الذنوب يُعَجِّلُ اللهُ العقوبةَ لصاحبِها في الدنيا قبل الآخرة كما حدث مع هذا المتكبر.
- الجزاء من جنس العمل.
- إثبات عذاب القبرو حياة البرزخ.
- الإيماء إلى فضل التواضع والانكسار بين يدي الخالق سبحانه وتعالى .
احاديث وايات قرآنية عن التكبر والغرور
قد نهى الله عن التكبر في عدد من النصوص القرآنية :
- قال تعالى : ( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً { أي : متبختراً متكبراً ، وقال :} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) .
- وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ :«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ» .
- والمتكبر لا يدخل جنة الله ، فقد ثبت عن سيِّد المتواضعين أنه قال :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[مسلم].
- والمتكبر مأواه جهنم وساءت مصيراً ، قال صلى الله عليه وسلم :«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر» [البخاري ومسلم] .
- وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه :«الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما شيئاً أُلقيه في النار» أخرجه الإمام أحمد . فالتكبر من صفات الله وهو له لا يقتضي نقصاً بوجه من الوجوه .
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ . وَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» [أخرجه مسلم] .
- عن الرسول صلى الله عليه وسلم :« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» [أخرجه الترمذي] .
- وقد ثبت في الحديث أَنَّ أَبَا دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» .