قصة طالوت وجالوت مع نبي الله داود

  مصنف: قصص الانبياء, قصص القرآن - - 8179 25

كان بنو إسرائيل قد عاشوا فترة من الزمن على الإيمان والاستقامة وكان الله جل وعلا يرسل إليهم الأنبياء ليرشدوهم إلى طريق الحق وإلى طريق الخير.

ولكنهم مع مرور الزمن بدلوا وحرفوا وابتعدوا عن طاعة الله كثيرا ووقعوا في معصية الله وعبد بعضهم الأصنام.

وظل الأنبياء يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ومع ذلك ظلوا على حالهم من المخالفة والعصيان إلى أن سلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم عددا كبيرا وأسروا منهم عددا كبيرا وأخذوا منهم بلاداً كثيرة.

وكان بنو  اسرائیل قبل وقوعهم في المعاصي لا يقاتلون أحدا إلا غلبوه … وذلك لأنهم كان عندهم التوراة والتابوت الذي كان في قديم الزمان .. وكان ذلك التابوت قد ورثوه جيلاً بعد جيل من موسى عليه السلام وكان فيه أشياء كثيرة تركها موسى وأله وهارون وأله عليهما السلام.

كان التابوت نعمة من نعم الله على بني إسرائيل وكان لهذا التابوت عندهم شأنٌ عجيب ، ونبأ طريف : كانوا إذا اشتبكوا مع أعدائهم في قتال ، أو التقوا بهم في ساحة نزال ، يحملونه بين أيديهم ، ويقدمونه في صفوفهم ، فينتشرُ في قلوبهم سكينةٌ واطمئناناً ، ويبعثُ في أعدائهم هلعاً ورعباً ؛ لسر عجيب فيه ، ومزايا خصهَُ الله بها.

فلم يزل بنو إسرائيل في غيهم وضلالهم حتى استطاع أحد الملوك أن يأخذ منهم التابوت والتوراة في بعض حروبهم ولم يكن فيهم أحد يحفظ التوراة إلا القليل.

وانقطعت النبوة من أسباطهم ، ولم يبق من سبط (لاوى) الذي يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من زوجها وقد قُتل.

فأخذوها فحبسوها في بيت واحتفظوا بها لعل الله يرزقها غلاماً يكون نبيَّا لهم ، ولم تزل المرأة تدعو الله عز وجل أن يرزقهاغلاماً ، فسمع لها ووهبها غلاماً ، فسمَّته شمويل أي سمع الله دعائی ومنهم من يقول : شمعون. فأنبته الله نباتاً حسناً ، فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه ، وأمره بالدعوة إليه وتوحيده ، فدعا بنی إسرائيلي.

وظل شمويل يتابعهم بالدعوة ويأمرهم بالتوبة والعودة إلى الله جل وعلا وترك عبادة الأصنام… وبعد جهد كبير عادوا إلى الله جل وعلا وتابوا من عبادة الأصنام وبدأوا يصلون ويصومون حتی يرضی الله عنهم.

ولكنهم لم ينسوا ذل الهزيمة التي لحقت بهم من قبل وكيف أن التابوت قد أُخذ منهم وكذلك التوراة. فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل وأن يبدلوا ذُلهم وهزيمتهم نصراً وعزاً.

وأخذوا يفكرون كيف يعود إليهم العز مرة أخرى فلم يجدوا إلا سبيلاً واحداً ألا وهو الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

فذهبوا إلى نبيهم شمویل علیه السلام وقالوا له : نريد منك شيئا عزيزاً ونتمنى ألا ترد طلبنا.

فقال شمویل علیه السلام: ماذا تريدون ؟

قالوا : نريد منك أن تختار لنا ملكاً يتولى أمرنا، ويقودنا في قتال أعدائنا حتى تعود إلينا العزة مرة أخرى.

ولكن شمویل  علیه  السلام يعلم أنهم لا يصدقون في وعودهم أبداً ، وأنهم عندما يؤمرون بالقتال فسوف ينكصون و يفرون من الجهاد.

فقال لهم: ولكن هل لو كتب الله عليكم الجهاد في سبيله هل ستصدقون وتقاتلون؟

قالوا: نعم سنقاتل … إننا ننتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر حتی ننزع الذل الذي نعيش فيه وتعود إلينا العزة … وكيف لا نقاتل وقد أخرجنا من ديارنا … وأصبح أبناؤنا عبيدا عند أعدائنا.

فلما رأی شمويل إصرارهم على الجهاد في سبيل الله، سأل ربه جل وعلا فأوحى الله إليه أنه قد استجاب له ولقومه وأنه قد اختار طالوت لیکون هو ملكهم الذي يقودهم إلى النصر والعزة والتحرير.

” طالوت ” ملكا على بني إسرائيل

خرج شمویل علی بني اسرائیل وهم في غاية الشوق لمعرفة الملك الذي يقودهم  في حروب العزة و النصر.

فقال لهم شمويل: إن الله قد استجاب لدعائنا واختار لكم ملكاً لیکون لكم قائداً في جهادكم.

ففرحوا بذلك أشد الفرح وقالوا: من هو یا شمویل؟

فقال لهم: إنه طالوت.

‎ ‎فاعترضوا ورفضوا رفضا شديدا وقالوا : كيف يكون طالوت ملكا علينا وهو فقير لا يملك مالاً وليس من بیت الملك وعائلة الملوك .. فنحن أحق بالملك منه.

فقال شمویل : إن الله هو الذي اختاره عليكم وليس اختیاري أنا، فلماذا تعترضون ؟!

لقد تعجب نبی الله شمويل من موقف هؤلاء القوم الذين كانوا يريدون أي ملك ، فلما اختار الله لهم طالوت ملكا اعترضوا. فبين لهم النبي المواصفات التي تؤهله للملك ، وأنه هو أنسب الناس للملك حسب الميزان الرباني الإيماني: إن الله اصطفاه عليكم ، والله حكيم خبير. وإن الله زاده بسطة في العلم و تمكناً منه ، و أن الله زاده بسطة وقوة في الجسم تعينه على النهوض بأعباء الملك و مشقات القيادة. ثم لماذا يعترضون عليه؟ ان الله يؤتي ملکه من یشاء. والله واسع عليم ، وطالما ان الله آتی طالوت الملك فهو الملك المؤهل له.

فقالوا له : نريد علامة وآية تدل على أن الله هو الذي اختار لنا طالوت ملكاً.

فقال لهم شمویل: إن الآية والعلامة التي تؤكد لكم أن الله قد اختار لكم طالوت ملكا أن يأتيكم التابوت الذي أُخذ منكم وفيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسی وآل هارون، تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنین.

يأتيهم التابوت الذي كان لهم ، يأتيهم وحيدا بدون قتال ، ولا حرب ، ولا انتصار على أعدائهم الذين سلبوه منهم. إن الملائكة هي التي ستحمل هذا التابوت ، وتوصله إليهم.

و حملُ الملائكة للتابوت وتوصيله إليهم دليل على أن الله رضى لهم طالوت ملكاً،  والملائكة رضيت لهم طالوت ملكاً.

وهذا التابوت كان يحوي سكينةً من ربهم، والسكينة هي الطمأنينة والراحة والرضى واليقين ، كما كان يحوی بقية مما ترك آل موسى وآل هارون . ولعل هذه البقية شیء مادي ورثوه عن آل موسى وآل هارون.

وتحققت الآية التي وعدهم بها نبيهم ، وحملت لهم الملائكة التابوت ، وأوصلته إليهم ، فوافقوا على تملك طالوت عليهم.

و منذ هذه اللحظة وأصبح طالوت ملكا على بني إسرائيل.  وكان بنو إسرائيل في قمة السعادة لعودة التابوت مرة أخرى.

وتمر الأيام ويعلم طالوت أن الأعداء يجهزون أنفسهم لقتالهم وكان على رأس جيش الأعداء رجل يقال له ( جالوت ) وكان حاكماً ظالماً.

فأخذ طالوت يجهز جيشه من بني إسرائيل ويبث فيه الروح المعنوية ويُذكرهم بالأجر والثواب لمن خرج مجاهداً في سبيل الله. ويذكرهم بأن الله جل وعلا وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين.

وفي اليوم المحدد خرج بهم طالوت للقاء الأعداء في هذه المعركة الفاصلة فلما خرج بجنوده وكان جيشه ثمانين ألفا قال لهم: ( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ) البقرة 249، أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة بين الأردن وفلسطين. فعندما تمرون عليه لا تشربوا منه ، فمن خالف أمري وشرب منه فليس من جیشي ، فلا يتبعني، لأنه ليس جنديا منضبطا مطيعاً. أما من لم يشرب من النهر والتزم الأمر وأطاع فإنه مني.

وسار جيش بني إسرائيل في الشمس المحرقة حتى أصابهم العطش الشديد وبعد فترة وصلوا إلى نهر الشريعة.. فلما رآه الجنود انطلقوا ليشربوا فنادی علیهم طالوت وقال: تذكروا أني قلت لكم: أن من شرب من النهر فسوف يعود ولن يحارب معي.. وأما من شرب شربة واحدة فسوف يأتي معي ليجاهد في سبيل الله.

فما كان منهم إلا أن انطلقوا نحو النهر وشربوا جميعا منه إلا عدداً قليلاً منهم.

ثمانون ألفاً شربوا ما عدا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً هم الذين أطاعوا طالوت ولم يشربوا من النهر. فعاد الثمانون ألفاً إلى بيت المقدس وعبر الباقون من الجيش نهر الشريعة مع طالوت ووصلوا إلى الشاطئ الآخر.

وسار طالوت بالقلة المؤمنة المطيعة حتى وصل بهم إلى أرض المعركة الفاصلة مع الأعداء.

وهنا أصبح عدد الجيش قليلا جدا وكان جيش العدو كبير فأحس بعض أفراد الجيش الذين صبروا مع طالوت أنهم أضعف بكثير من جالوت و جيشه وقالوا : (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) البقرة249.

‎ لكن الفئة القليلة الثابتة أيقنوا أن النصر ليس بالعدد والعتاد وإنما النصر من عند الله جل وعلا، فقالوا لطالوت: امض لسبيلك فإنا – إن شاء الله – سوف ننتصر عليهم ولو كان عددنا قليلاً (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة 249.

داود (عليه السلام) يقتل جالوت

والتقى الجيشان .. جیش الإيمان وعلى رأسه طالوت .. وجيش الطغيان وعلى رأسه جالوت. فما كان من الفئة القليلة المؤمنة التي ثبتت مع طالوت إلا أن توجهوا بالدعاء إلى فاطر السماوات والأرض طالبين منه أن يرزقهم الصبر والثبات و النصر على الأعداء. قال تعالى: ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة 250.

‎وكانت المعارك في هذا الزمان وحتی زمان التابعين لا تبدأ إلا بعد مبارزة بين رجلين بالسيف. فخرج الملك الظالم جالوت قائد جيش الأعداء .. وكان قويا عملاقا … خرج وهو يلبس دروعه الحديدية ومعه سلاحه فبدأ يطلب منهم أن يخرجوا له رجلا يبارزه فخاف كل الجنود الذين كانوا مع طالوت.

وبدا جالوت الظالم يصرخ في أرض المعركة: ألا يوجد فيكم رجل قوى يخرج فيبارزنی … فلم يخرج أحد.

فأخذ جنود الأعداء يضحكون ويسخرون من جيش طالوت.

وهنا وقف طالوت ونادی علی الجيش وقال: من منكم يخرج ليبارزجالوت ؟ فلم يرد عليه أحد.

فقال طالوت: من منكم يخرج ليبارز جالوت.. وسوف أزوجه إبنتي و أجعله قائداً على الجيش؟

‎ يا لها من جائزة عظيمة … ويا لها من منحة كبيرة … لقد عرض عليهم طالوت عرضا مغريا .. فإن الذي سيبارز جالوت وينتصر عليه فسوف يصبح قائدا للجيش ويتزوج ابنة الملك ويعيش معه في القصر الذي يعيش فيه.

لكن كل رجل في جيش طالوت يعلم جيدا قوة جالوت .. ويعلم أن من خرج ليبارزه فمصيره الموت ولن يعيش لحظة واحدة ليصبح قائدا على الجيش أو يتزوج ابنة الملك. ولهذا لم يخرج أحد من جيش بنی اسرائیل.

و هنا بزر جالوت الملك الظالم وهو يلبس دروعه الحديدية ومعه سلاحه وبدأ يطلب منهم أن يخرجوا له رجلا يبارره فخاف کل الجنود الذين كانوا مع طالوت.

وفجاة برز من جيش طالوت غلام صغير كان يرعی الغنم اسمه داود (علیه السلام) وكان مؤمناً بالله وكان يعلم يقينا أن القوة ليست هي قوة السلاح أو الجسد وإنما هي قوة الإيمان واليقين والثقة في الله جل وعلا.

وكما قلنا كان طالوت الملك قد وعد أفراد الجيش أن من استطاع منهم أن يقتل جالوت فإنه سيجعله قائدا على الجيش ويزوجه ابنته.

ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء ، فقد كان يريد أن يقتل جالوت ؛ لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت. وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه ( وهو نبلة يستخدمها الرعاة ) وتقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع ، وسخر من داود وأهانه وضحك منه ومن فقره وضعفه ، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر ، فأصاب جالوت فقتله ، وكانت مفاجأة مذهلة للجیشین.

وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت ، علی جالوت ، بعد أن استغفر الجيش كله لله ، ودعوه سبحانه وتوسلوا إليه وذلوا له ، فنصرهم وقهرعدوهم.

وأصبح داود (عليه السلام) ملكاً لبني إسرائيل

وكما قلنا:  إن طالوت كان قد وعد داود (عليه السلام) إن قتل جالوت أن يزوجه إبنته ويُشركه في أمره فلما قتل داودُ جالوتَ وفى له طالوت بما وعده وجعله قائداً على الجيش.  ثم أصبح داود (عليه السلام) بعد ذلك ملكاً على بني إسرائيل فجمع الله له بين الملك و النبوة.

 

للكاتب : الشيخ محمود المصري

error: النسخ ليس ممكناً