النمر نصار نمر قوي الجسم رحيم القلب ، مشهور بين الحيوانات بقدرته على هزيمة من يصارعه ، وفي الوقت نفسه معروف بينهم بحبه للعدل وكرهه الشديد للظلم ، ولقد علمه أبوه النمر عمار أن يستخدم قوته في إعانة الضعفاء والمحتاجين ونصرة المظلومين . كانت الحيوانات تحب النمر نصار كثيرا، وتلجأ إليه للمساعدة ، وكان هو بدوره لا يتأخر عن تقديم المساعدة ، ويسرع دون تردد لدفع الظلم عن الضعفاء من الحيوانات …
ولأن الذئاب تهوى الإعتداء على ضعاف الحيوانات فقد شعرن أن وجود النمر نصار يشكل خطرًا على أطماعهم ، فما أن يسرقوا حيوانًا ضعيفًا إلا ذهب ذاك المظلوم للنمر نصار ، فيسرع لنجدته ، ويأخذ حقه منهم ويعيده إليه.
إجتمعت الذئاب يوما لبحث هذا الأمر برئاسة الذئب خبثان … فوقف الذئب خبثان فيهم خطيبًا وقال : يا معشر الذئاب ، تعلمون أن حياتنا تقوم أساسًا على الخطف والسرقة ، وقد صارت أمورنا مستحيلة بسبب النمر نصار ، ولا بد أن نجد حلاَّ لهذه المشكلة .
صاح أحد الذئاب : لا بد أن نجد حلاَّ ، فقد تدهورت صحتنا وضعفت أجسامنا.
وصاح آخر : إما أن نقضي عليه وإما أن نرحل إلى غابة أخرى ، نستطيع السرقة فيها .
أجابه ثالث : أيها الذئب ، لا توجد غابة أخرى ترضى باستقبالنا ، وذلك بسبب سمعتنا السيئة .
- إذا نقاتل النمر نصارًا .
- هل جننتم ؟ هل لنا طاقة بقتال هذا الوحش الجبار؟
- إنه يستطيع أن يقتل نصفنا في أول جولة .
- والنصف الثاني سيفر قطعًا موليًا الأدبار .
- ما رأيكم أن نقوم بطرده من الغابة ؟
- إنكم تحلمون ، هل ستأمرونه بالخروج فيطيع؟
اختلطت الأصوات وتضاربت الآراء ، وعمت الفوضى إجتماع الذئاب ،وحينها رفع الذئب خبثان صوته في ثقة قائلا : بل سوف نخرجه من الغاب، وإذا لم يخرج فسوف يموت !
عم الصمت دقيقة ، إحتبست خلالها الأنفاس ، ثم صاحت الذئاب في صوت واحد : كيف يا ذئب خبثان ؟
- سوف نوقع العداوة بينه وبين الأسد ملك الغابة ، وحينئذِ سوف يثور الصراع بينهما ، وسوف يفوز الأسد بالتأكيد بقوته الفائقة .
- إنك حقًّا شديد الخبث يا ذئب … خبثان .
- ولكن الآن دعونا ندبر خطة العداوة القاتلة .
وفي اليوم التالي ذهب الذئب خبثان إلى الأسد متصنعًا البراءة والإخلاص، وبعد أن استأذن دخل على الأسد وقال : السلام عليكم يا ملك الغابة ، والذي أتمنى أن تظل ملكا للغابة ، أريد أن استأذنك في بناء بيوت جديدة للذئاب و …. قاطعه الأسد قائلا: وما يمنعني أن أظل ملكا للغابة ؟
- سمعت أن النمر نصارًا يتطلع لأن يكون هو الملك ، وقد حشد حوله أحبابه وأنصاره ، وقد صار قريبًا جدّا من عرش الغابة .. فقال الأسد : إنه نمر محب للعدل ، ولذلك فهو يساعد الحيوانات المظلومة … فرد الثعلب عليه في خبث : دعه يقول ما يرد ، وانتظر – إن شئت – حتى يضيع عرشك أيها الأسد العظيم .
- فانطلق الأسد إلى النمر نصار ، وقد بدت عليه علامات الغضب ، وبدا في عينه شرّ عظيم يهدد عرشه .
- وعندما رأى النمر نصار الأسد قادمًا من بعيد، قام ليستقبله ببشاشة كالعادة، ولكن عندما اقترب الأسد وظهرت هيئته، شعر النمر نصار أن في الأمر شيئًا. قال الأسد: أنا ملك الغابة يا نمر نصار.
- ابتسم النمر نصار في هدوء وقال: هذا الأمر معلوم وثابت يا ملك الغابة.
- وسوف أظل ملكًا للغابة.
- لا يوجد من ينازعك الملك أيها الأسد.
- بل يوجد .
- من؟
- وهنا دخلت فجأة بعض الحيوانات إلى بيت النمر نصار، طالبة منه المساعدة والنصرة ، وكانت الحيوانات تعطي معظم إهتمامها إلى النمر نصار ، مع نظرة احترام عابرة للأسد .
- فقاطعهم الأسد غاضبًا : هل تدري من ينازعني الملك يا نمر نصار؟
- من أيها الأسد؟
- أنت أيها النمر، لقد سمعت ذلك قبل أن آتي إليك، ثم تأكدت بنفسي حينما رأيت الواقع.
- فقال النمر في هدوء: إن ما أفعله يصب في مصلحة الغابة واستقرارها، وهذا يثبت ملكك ولا يزعزعه، إن العدل هو أهم أركان الملك أيها الأسد، ثم إني لم أطلب لنفسي أي زعامة أو ملك أيها الأسد.
- اصمت يا نمر نصار ، ومن الآن أنت أكبر أعدائي ، وليس أمامك الآن إلا أحد الأمرين : إما أن تغادر الغابة أو تعرض نفسك للقتل على يدي .
- لا عليك ، سوف أغادر الغابة حتى لا أثير فتنة تضيع فيها دماء الحيوانات بلا طائل .
وبالفعل رحل النمر نصار رغمًا عنه إلى أرض قليلة الماء والعشب ، ولقد رحل معه شعور الحيوانات بالأمان وقل الإحساس بالعدل في تلك الغابة ، حتى إن كثيرًا من الحيوانات تركت الغابة إلى حيث يعيش النمر نصار ، وقالوا : نحن نفضل جوار النمر نصار في أي مكان ، حتى وإن كان مجدبًا قاحلاً .
ومع مرور الأيام امتلأت الغابة بالمشاحنات والمشاجرات ،وأكل القوي الضعيف ، وصارت الذئاب سيدة الموقف ، وسمنت أجسامها ، وزادت شراءها ، فأخذت الحيوانات تهاجر أكثر فأكثر إلى مكان النمر نصار ، وبفضل جوّ الحب والتعاون ، زرعت الحيوانات الأرض ، ونبت العشب ، وصارت الحياة سعيدة ، وصار النمر نصار ملكًا طبيعيًا للحيوانات .أما الأسد فقد حاول أن يكبح جماح الذئاب ، بعدما طغوا بظلمهم ، فأذاعت الذئاب عنه الأكاذيب كما فعلت من قبله بالنمر نصار ، حتى ثارت عليه الحيوانات جميعًا ، وزلزل عرشه ، وطردته الحيوانات خارج الغابة .
لم يجد الأسد مكانًا يلجأ إليه أفضل من غابة النمر نصار ، والعجيب أن النمر نصارًا استقبل الأسد الملك المهزوم بحفاوة وعفو وتواضع ، وأكرم ضيافته ، وأظهر له عفوًا وكرمًا كبيرًا .
فقال الأسد: لقد صرت أنت الملك يا نمر نصار، وأنا قد ضاع مني ملكي.
قال النمر نصار : لقد سعيت إلى العدل ، فسعى إلي الملك .. أما أنت فقد أهملت العدل ، فأهملك الملك وضاع منك أيها الأسد الحزين.
***
المؤلف/عبدالله محمد عبد المنعم