ذات مساء نظر الخرتيت إلى كمية كبيرة من الحشائش يخزنها في منزله فشعر بالسعادة وقال : إن هناك أزمة في الطعام بين الحيوانات في هذه الأيام ، فقد تأخر المطر ، وقل العشاب ، ثم قال في نشوة وسعادة : سوف أعيش في رفاهية ، إنه لشيء جميل أن تنفرد بالسعادة .
وفي الصباح قامت الغزالة من نومها فلم تجد طعامًا تأكله ، قالت : لعلي أجد شيئًا يسد رمقي عند جارتي الزرافة … طرقت الغزالة باب جارتها الزرافة وقالت : السلام عليكم يا جارتي الزرافة .
– وعليكم السلام .
– أنا أسفة لمجيئي إليك في هذا الوقت ، ولكني جائعة جدّا وليس عندي ما آكله ، فهل يمكن أن تعطيني شيئًا من الحشائش التي عندك ؟
دمعت عينا الزرافة وقالت: مرحبًا بك يا جارتي العزيزة، ولكني والله لم أجد ما آكله منذ أمس وقد بت ليلتي جائعة، هيا بنا سويًّا نبحث عن شيء نأكله.
انطلقت الجارتان للبحث عن شيء تأكلانه ، وفي طريقهما مرا بيت القرد فسألتاه عن طعام ، فأجاباهما أنه لا يملك إلا القليل من الموز والفول السوداني ودعاهما كي يشتكروا جميعًا في الأكل ، فاعتذرتا إليه بأنهما لا تأكلان إلا العشب .
قالت الغزالة : هيا نذهب لبيت جارنا الخرتيت .
ذهبت الصديقتان الجائعتان إلى بيت الخرتيت ، وطرقتا الباب .
– السلام عليكم يا صديقنا الخرتيت .
– وعليكم السلام ، أجاب الخرتيت وأخذ الخرتيت ينظر إليهم في توجس البخيل من الضيف .
– هل عندك من طعام فإننا جائعتان جدًّا؟ … تصنّع الخرتيت التعطف وقال : من أين لي بالطعام ؟ أنتما تعلمان أن المطر قليل والعشب شحيح هذه الأيام .
– شكرًا لك .
– عفوًا ليتني أستطيع مساعدتكم .
– انصرفت الغزالة والزرافة الجائعتان وقد بدتا هزيلتين والخرتيت ينظر اليهما وهو يحدث نفسه وكأنه يوجه حديثه إلي الحيوانات جميعًا : اذهبوا عني ودعوني استمتع بطعامي الوفير وحدي ، ثم قال لنفسه : ماذا أستفيد إن شاركوني الطعام ، وماذا يضرني إن ماتوا جمعًا من الجوع ؟ طعامي الوفير يغنيني عن كل الحيوانات ، ما أعظم سعادتك يا خرتيت !
ذهبت الغزالة والزرافة إلى النهرللشرب ، ولما رآهم فرس النهر قال فهما : ماذا بكما ؟ أراكما هزيلتين .
– لم نأكل شيئًا منذ أمس يا فرس النهر ، فالمطر قليل ، والعشب شحيح .
– توجد بعض النباتات المائية في جانب النهر هل يعجبكما الأكل منه ؟
– بالطبع فنحن جائعتان جدّا .
– سأحاول إحضار كمية كبيرة منه .
ذهب فرس النهر إلى جانب النهر وأخذ بجمع بعض النباتات المائية وأتى
بها اليهما وقال : تفضلا ، هذا ما استطعت أن أجمعه ، أرجو من الله أن يكفيكما .
– شكرًا لك يا فرس النهر هذا يكفي ويزيد ، وسوف نحمل الباقي معنا لأصدقائنا ، فنحن نعلم أنهم لا يجدون ما يأكلون هذا الأيام .
– فكرة جيدة ، وسوف أجمع أنا وأصدقائي كمية أخرى لمن أراد أن يأكل من الحيوانات ، فلا خير في الحياة بلا تعاون ، إني لا أتصور أن أستمتع بطعامي وأنا أعلم أن أصدقائي من الحيوانات البرية يعانون الجوع ، سوف أبذل كل ما في وسعي كي أساعدكم .
– جزالك الله خيرًا يا فرس النهر.
أخبر فرس النهر أصدقائه من الحيوانات المائية أن جيرانهم من الحيوانات البرية يعانو الجوع وقلة الطعام ، وطلب منهم جمع ما يستطيعون من النباتات المائية ووضعها على جانب النهر حتى تأكل منها الحيوانات البرية …
وبالفعل تكونت فرقة عمل من الحيوانات المائية واخذوا يبذلون ما في وسعهم لمساعدة الحيوانات البرية … أشاع فعل فرس النهر وأصدقائه جوا من التعاون والطمأنينة بين الحيوانات ،وقل الخوف من الجوع … وبعد أيام قليلة نزل المطر غزيرًا ، فأصاب الأرض وأنبت العشب ، وأصاب المطر أيضًا مخزون الحشائش لدى الخرتيت
فأنبتت فيه الجراثيم والميكروبات ، وبدأ التعفن يظهر فيه ، ومع هذا أصر الخرتيت أن يأكل من مخزون الحشائش الفاسد فأصابه المرض ولم يستطع الخروج من بيته .
وخرجت الحيوانات تحتفل بنزول المطر وظهور الحشائش وانفراج الأزمة ، ملأت الفرحة القلوب وعم السرور وتبادلت الحيوانات التهاني ، لكن القرد لاحظ غياب الخرتيت فقال : هل رأيتم الخرتيت اليوم ؟ فقالت الغزالة : لا لم أره منذ فترة ، فقال القرد : إنه أمر مقلق أن يغيب الخرتيت عن احتفالنا هذا ؟ فقالوا جميعًا : نعم .
– إذن دعونا نذهب إلي بيته ونستكشف الأمر … وذهب وفد الحيوانات إلى بيت الخرتيت وطرقوا الباب .
-السلام عليكم يا خرتيت .
أجاب الخرتيت بصوت ضعيف :وعليكم السلام ، من بالباب ؟
– نحن جيرانك يا خرتيت افتقدناك فجئنا نسأل عنك .
قام الخرتيت بصعوبة وفتح الباب وقال : تفضلوا بالدخول ، أشرككم علي فعلكم الكريم .
– هذا واجب علينا فنحن جيران .
– أنتم جيران وأصحاب طيبون ، ثم بكى الخرتيت وقال : إني قد منعت عنكم الزيادة من طعامي حتى فسد عندي وأصابني بالأمراض ، لقد ظننت أن الطعام الوفير سوف يغنيني عنكم ولن أحتاج إلى غيري ولكني عرفت الآن أن الحياة لا تصلح بغير تعاون في السراء والضراء … وهنا قسم الحيوانات بعضهم إلى فريقين.
حمل الفريق الأول الخرتيت إلى الطبيب ، وقام الفريق الثاني بتنظيف بيت الخرتيت من مخزون الحشائش الفاسدة، وقاموا بتهوية البيت وتعريضه للشمس …
وبعد أيام استرد الخرتيت عافيته ، وانطلق مع جيرانه وأصحابه يحتفلون بظهور العشب الأخضر الذي ملأ الغابة بالطعام السعادة ، واحتفلوا أيضًا بعودة الخرتيت إلى التعاون والحب …
المؤلف: عبد الله محمد عبد المعطي