قصص طويلة – توتي توتي https://totitoti.arabwalls.com كان ياما كان ... قصص من كل زمان ومكان Sat, 24 Oct 2020 17:35:07 +0000 ar hourly 1 https://totitoti.arabwalls.com/wp-content/uploads/2018/09/cropped-blackberries-32x32.jpg قصص طويلة – توتي توتي https://totitoti.arabwalls.com 32 32 فتى من قريش https://totitoti.arabwalls.com/%d9%81%d8%aa%d9%89-%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b4/ Sun, 18 Oct 2020 19:29:39 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5228 قصة النحلة العاملة https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d9%84%d8%a9-2/ Sun, 05 Apr 2020 13:24:09 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5089 النحلة العاملة1- جمال الريف كان صفاء وسعاد مبتهجين بما رأياه من جمال الريف. وقد شكرا لأبيهما صنيعه (معروفه) الذي أسداه (أحسن به) إليهم، إذ أتاح لهما أن يقضيا شطراً كبيراً من العطلة الصيفية في دسكرته (مزرعته). وكان قد اشترى هذه الدسكرة في العام الماضي. وقد أعجبهما من الريف سحره المتجدد، وهواؤه النقي، ومناظره الفاتنة. وكانا يستيقظان كل يوم في الصباح الباكر ليمتعا برؤية شروق الشمس، وتغريد الطيور. وليس أروح للنفس وأبهج للعين وأمتع للأذن من التفرج (التخلص من الضيق) بروائع الريف ومفاتنه. فإذا طلع الفجر، استيقظت الزرازير، وخرجت من أوكارها، تستقبل نور الصباح في بهجة وانشراح، وظلت تزقزق فرحانة مرحة، كأنما تهتف بالشمس وتحيّيها. ثم تنبعث على أثر ذلك آلاف من الاغاريد العذبة، من المرج (الأرض المفروشة بالنبات) والحقل، والسهل والجبل. فترنّ تلك الأغاريد متصاعدة أنغامها المطربة في الهواء مؤذنة بطلوع الصباح، مبشرة بمقدم الشمس، الحبيب إلى كل نفس. فيهب النائم، ويستيقظ الوسنان، وقد استعاد نشاطه واستقبل يومه بعزيمة متجددة وآمال فسيحة. وترى النحلة العاملة تطير من فنن إلى فنن، وتنتقل من زهرة إلى زهرة وهي تطن فرحانة وتقول: “لقد حان وقت العمل، وانقضت فترة النوم، وليس ما يليق بي أن أتأخر عن أداء ما عليّ من فروض وواجبات لخير الناس وتفس الانسانية. وقد سبقتني من أسراب النمل أم مازن وأم مشغول وإخوتهما، وخرجت من مساكنها باحثة عن طعام يومها في جد ونشاط عجيبين”. ويهب الفراش من نومه، وقد استجدّ نشاطه، ويرف بجناحيه وقد بللهما الندى، ويطير إلى الأزهار التي لما تتفتح أكمامها (لم يتفتح ورقها الذي يغطيها بعد). ثم تمشي قطعان الغنم (جماعاتها) إلى مرعاها الخصب، وترن أجراسها الصغيرة في اثناء سيرها، حتى تصل إلى الحقل، حيث تقضي يومها سعيدة وادعة. فإذا مالت الشمس للغروب، عادت الأطيار إلى أوكارها، وأخفت رؤوسها تحت أجنحتها، وضمت الزهرات أكمامها، وهدأت أصوات الكائنات، فلا تسمع في سكون الليل إلا أغاريد البلبل العذبة، يرسلها من أعلى فنن (غصن) في دوحته، وقد فاض قلبه سروراً، فأودع أنغامه المطربة أحلام السعادة التي ينشدها. وتضيء النجوم فيخالها (فيظنها) الرائي مصايبح صغيرة، معلقة في السماء. ثم يسطع نور القمر الفضي، ويرسل أشعته على الكون، فيملؤه بهجة وروعة، ويضفي من سحره على الحقول والمروج، فيزيدها فتنة إلى فتنتها. ثم تخرج الحشرات من مخابئها، وتستيقظ حارسات النبات، لتسهر على نبات الحقل وحبوبه، فتخرج أم الصبيان: تلك البومة الناعبة، وتظهر الخفافيش والقنافد من مكامنها، ذاهبة إلى الحقول في غير ضجة، مرهفة آذانها، متربصة بالحشرات المؤذية، فتفتك بأعداء الفلاح، وتلتهمها في غير رحمة. فإذا انتصف الليل، رأيت كلب الحراسة لا يزال ساهراً يقظاً أمام الدار، وقد نام صاحبه. فيخيل إليك في وقفته الحازمة أنه شرطي يتأهب (يستعد) للقبض على الأشرار! فإذا استيقظت الخنساء تلك البقرى السمراء سمعتها تقول: “ما أسعدها ليلة قضيتها ناعمة البال”! ثم تلتفت إلى صديقها الجواد (الحصان) قائلة: “انهض من سباتك يا لاحق، فقد حان وقت العمل”! فيحييها صديقها لاحق وهو يضرب الأرض بسنبكه (حافره) ويجيبها: “صدقت يا خنساء، فقد حق علينا أن نعمل، وما خلقنا إلا لنعمل. وهأنذا أترقت فطوري لأستجد به قوتي ونشاطي. فإن عملي في هذا اليوم شاق متعب.. أرهفي أذنيك يا خنساء، ألا تسمعين صوت السيد، وهو يعدّ المحراث في فناء الدار”؟ وبعد قليل ترى الخنساء، وصديقها لاحقاً دائبين على العمل، في جدّ ونشاط، لسقي الحشائش والأزهار. وهي تجرع الماء في شره عجيب، لترويَ طمأها الشديد. وتخرج الديدان من شقوق الأرض، وتسلك طريقها في الوحل، وهي بهذا جد سعيدة. ثم يجري الحلزون في الممشى الرطب، وتقفز الضفادع على حافات الحفر، وتخرج البرصة من مخابئها. حتى إذا انقضى النهار، شبع هؤلاء جميعاً، ولم يبق لهذه الكائنات إلا أن تنام. وترى الحصّاد يجمعون الثمار عائدين وقت الغروب إلى ديارهم، وهم يغنون فرحين مبتهجين، يشكرون لله سبحانه ما أسبغه (ما أوسعه وأتمه) عليهم من نعمة، وما رزقهم من خير. 2- أنشودة اليعسوب في هذا الجو المرح، وبين تلك المباهج الفاتنة، والمظاهر الجميلة؛ عاش صفاء وسعاد. فلا غرو إذا تملكمها حب الريف، والإعجاب بجماله، وودا لو قضيا كل وقتهما فيه! وذا صباح، كان صفاء وسعاد جاثمين على بسط سندسي (حريري) أخضر (وهو الزرع الناضر البهيج)، في حديق الدار. وكان ذلك المكان هو أحب أماكن الريف إليهما. وإنهما لينعمان بما يكتنفهما (يحيط بهما) من المناظر الجذابة، إذ طرق أسماعهما صوت رقيق يناديهما، في عذوبة وتودد: “إليّ يا سعاد! إليّ يا صفاء”! فتلفّتا يمنة ويسرة ونظرا إلى علِ فلم يريا أحداً. فقالت سعاد: “ما أغرب هذا الصوت! ترى من ينادينا”؟ فعاد الصوت مرة أخرى يقول: “لا غرابة في ذلك يا عزيزتي!” فأخذا يحدقان ويبحثان في كل مكان، لعلهما يهتديان إلى مصدر الصوت. وأجالا أبصارهما في الأزهار والأشجار، فلم يشهدا أحداً من الناس. فقال صفاء: “هذا صوت عجيب، لم أسمع له مثيلاً طول عمري، فأين صاحبه يا ترى؟” فقال الصوت: “أقسم بعسلي الشهي اللذيذ: إنكما لن تستطيعا الاهتداء إليّ مهما تبذلا من جهد”! ثم استأنف الصوت قائلاً في نغمة بهيجة: أنا يعسبو نشيط وأنا أم الخلية أنا في النحل أمير خادم بين الرعية عسلي حلو لذيذ على أشهى غذاء فكلوه في فطور وغداء وعشاء عسلي خير طعام لصحيح وسقيم هل عرفتم أن شهدي مصدر الخير العميم؟ أنفع الناس، وحسبي أنني أحيا لأنفع أنفع الناس، ومالي غير نفع الناس مطمع فابتهج الشقيقان بسماع هذه الأنشودة الجميلة، وأعجبا بغناء اليعسوب أيما إعجاب. وتلفتا فرأيا أميرة من أميرات النحل، ذات فراء، يميل لونها إلى السواد، يمازجه لون برتقالي، وهي واقفة على أحدى الزهرات القريبة منهما، وقد تألّق محيّاها البهي (لمع وجهها الحسن)، وبدا في مثل جمال الورد، ولمعت عيناها الواسعتان، وبدا جناحاها اللطيفان، وقد كساهما ريش خفيف، وهما يتهاديان (يتمايلان) إلى الأمام تارة، وإلى الوراء تارة أخرى. ورأيا في كلتا يديها، قفازين لامعين أصفرين. كما رأيا في قدميهما حذاءين براقين، يخيلان لمن يراهما أنهما قد صنعا من أديم (جلد) ثمين مصقول (ناعم الملمس). وأبصرا ذلك اليعسوب الظريف يحمل قوساً برتقالي اللون تحت ذقنه، وقد شاعت على فمه ابتسامة زاهية، تتمثل لك فيها أحلامه البهيجة (السارة). 3- حوار النحلة ثم اقتربت اليعسوب من سعاد ووقفت إلى جوارها. ففرحت برؤيتها وقالت لها: “لقد عرفتك، أيتها الصديقة الكريمة. فأنت بلا ريب (بلا شك) ملكة النحل التي طالما حدثنا عنها أساتذتنا وأهلونا”. فقالت اليعسوب: صدقت يا سعاد، ولم تخطئ جادة الرأي (طريق الصواب). ثم استأنفت حديثها مغنية الأنشودة التالية: النحل أنشط عامل وأبرّ مخلوق بكم في شهده أشهى الغذا وشمعه نور لكم أجدى عليكم من دجاج ج، صائح في بيتكم أجدى عليكم من جدا ء، رتّع في حقلكم أجدى عليكم من نعا ج، ثاغيات عندكم وأبرّ من بقراتكم وأجلّ...]]> قصة في بـلاد العـجـائـب https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%80%d9%84%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%80%d8%ac%d9%80%d8%a7%d8%a6%d9%80%d8%a8/ Sun, 05 Apr 2020 13:18:30 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5087 قصة حـي بـن يـقظـان https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%ad%d9%80%d9%8a-%d8%a8%d9%80%d9%86-%d9%8a%d9%80%d9%82%d8%b8%d9%80%d8%a7%d9%86/ Sat, 28 Mar 2020 15:33:42 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5067 حي بن يقظانتمهيد 1- جواري الوقواق أيها القارئ الصغير: هل عرفت جزائر الوقواق؟ ما أظنك رأيتها، ولكني أحسبك قد سمعت بها، وقرأت عنها في القصص والأساطير، أعني، الأحاديث القديمة الخيالية العجيبة. ولقد حاولت أن أتعرف هذه الجزائر- كما حاول غيري من الباحثين أن يهتدوا إلى مكانها- فلم اوفق، ولم يوفّقوا إلى شيء من ذلك. ولا سبيل إلى رؤية هذه الجزائر، لأنها- في الحق- جزائر خيالية، لا وجود لها في عالم الوجود، وليس لها مكان في هذه الدنيا التي نعيش فيها، وإن كان لها أرحب مكان في عالم الاساطيرن ودنيا الخيال! ولقد زعم بعض اسلافنا الأقدمين: أن جزائر الوقواق واقعة تحت خط الاستواء، وان فيها جزيرة يولد بها الإنسان من غير ام ولا أب! وزعم بعضهم فقال بغير تحقيق: “إن إحدى جزائر الوقواق تنبت شجراً عجيباً، لا يثمر الفواكه وما إليها من ضروب الثمر، كما تثمر الأشجار الأخر، بل يثمر النساء وحدهن”. وقد أطلقوا على هؤلاء النسوة- اللائي يولدن من تلك الأشجار- اسم: جواري الوقواق. وقد زعموا ان جزيرة أخرى من هذه الجزائر تنبت أشجارها الرجال دون النساء! 2- رأي الباحثين وكذلك زعموا أن في إحدى هذه الجزائر العجيبة، ولد بطل هذه القصة، من غير اب ولا أم. هكذا يقول بعض القصاصين. ولكن جمهرة (جماعة) من العلماء الباحثين، لم ياخذوا بهذه المزاعم (الأباطيل)، ولم يصدقوا تلك الدعاوى (الأقوال التي لم تثبت صحتها)، قد بحثوا – جاهدين- حتى عرفوا حقيقة القصة، وأصل بطَلها، ومنشأه. واهتدوا إلى كثير من التفاصيل المعجبة التي أنارت السبيل إلى فهم دقائقها وأسرارها. وإني لقاصها عليك في الفصول التالية: الفصل الأول 1- مولد ابن يقظان كان من بين جزائر الهند جزيرة عظيمة، متسعة الاكناف (فسيحة الجوانب)، بعيدة الأرجاء (النواحي)، كثيرة الفوائد، عامرة بالناس؛ يملكها رجل منهم، شديد الأنفة (الترفع والغيرة). وكانت له أخت ذات جمال نادر، وحسن باهر. وكان أخوهما متكبراً مزهواً (فخوراً معجباً بنفسه)، فلم يشأ أن يزوجها بأحد من الرجال لأنها فيما يرى لا يجد كفئاً لمصاهرته، أعني لمن يصبح له صهراً (زوجاً لأخته). وكان لهذه الفتاة قريب اسمه يقظان وهو كريم النفس، طيب الخلال (الأخلاق). فلما غاب الملك في بعض حروبه، وطالت غيبته، حسبه أهله قد مات، أو قتل في تلك الحروب، فزوّجوا يقظان تلك الفتاة سراً. وبعد أشهر قليلة، حملت منه، ثم وضعت طفلاً تلوح عليه مخايل الذكاء (أماراته)، ودلائل النبل. وما وضعت الفتاة طفها، حتى عاد أخوها من حروبه منتصراً. ولم يجرؤ أحد من أقارب الملك على الإفضاء إليه (إعلامه وإخباره) بسر الزواج الذي تم في غيبته، خوفاً من غضبه عليهم وانتقامه منهم. وخشيت الفتاة أن يذيع سرها، فيقتلها أخوها. ولم تر بداً (لم تجد سعة ولا مفراً) من كتمان أمرها عنه. وبعد افتكار طويل، قرّ قرارها على التخلص من الورطة: بإقصاء الطفل التاعس (الساقط الحظ) المسكين عن الجزيرة، حتى لا تسوء العقبى (النتيجة والخاتمة). 2- في التابوت ثم وضعت الأم طفلها بعد أن أروته من الرضاعة- في تابوت (صندوق) أحكمت إغلاقه (إقفاله) وخرجت به سراً إلى ساحل البحر، وقلبها يكاد يحترق صبابة (حباً وشوقاً) إليه وحزناً عليه. ثم ودعته قائلة: “أللهم إنك قد خلقت هذا الطفل- ولم يكن شيئاً مذكوراً- ورزقته في ظلمات أحشائي، وحفظته من كل سوء، وتكفلت به حتى تم واستوى. وأنا قد أسلمته إلى لطفك، ورجوت له فضلك. وسألقيه في اليم (البحر) خوفاً من هذا الملك الظالم الغشوم (الجبار العنيد). فكن له ولا تسلمه إلى من لا يرحمه يا أرحم الراحمين”. ثم قذفت به في اليم، فصادف ذلك جري الماء، بقوة المد. فاحتمله من ليلته إلى ساحل جزيرة الوقواق التي تحدثنا بها الأساطير. وكان المد ينتهي عادة إلى أقصاه (غايته ونهايته) في برّ هذه الجزيرة، ولا يصل إلى هذا المكان إلا مرة في كل عام. فأدخله الماء بقوته إلى أجمة (غابة) ملتفة الشجر، طيبة التربة (الأرض)، مستورة عن الرياح والمطر، محجوبة عن الشمس، تنحرف عنها إذا طلعت، وتميل إذا غربت. ثم أخذ الماء في النقص والجزر (الانقطاع) عن التابوت الذي فيه الطفل وبقي التابوت في ذلك الموضع. وتوالى هبوب الرياح، فتجمعت الرمال وعلت وتراكمت (تكاثرت)، حتى سدّت باب الأجمة على التابوت، وردمت مدخل الماء إلى تلك الأجمة؛ فكان المد لا ينتهي (لا يصل ولا يجيء) إليها بعد ذلك. 3- مرضعة الطفل وكانت مسامير التابوت قد قلعت، وألواحه قد اضطربت، حين قذفه الموج، ورماه في تلك الأجمة. فلما اشتد الجوع بذلك الطفل بكى واستغاث، وعالج الحركة (حاولها)، فوقع صوته في أذن ظبية فقدت ولداً لها. وكان قد خرج من كناسه (بيته الذي يستره) فرأته عقاب، فحملته وطارت به من فورها (والعقاب طائر مفترس، قويّ المخالب، ملتوي المنقار). فخرجت الظبية تبحث عن ولدها، فلما سمعت صراخ الطفل ظنته ولدها المفقود. فتتبعت الصوت، حتى وصلت إلى التابوت. ففحصت (بحثت وحفرت) عنه بأظلافها؛ أعني بحوافرها، وهي الأجزاء الصلبة التي تمشي عليها وتنتهي بها قوائمها (أقدامها). وكان الطفل يئن من داخله- حينئذ- حتى طار عن التابوت لوحه الأعلى. فرقّت (أم عزة) له، وعطفت عليه وألقمته حلمتها، وأروته لبناً سائغاً. وما زالت به تتعهده (تربيه)، وتدفع عنه الأذى، منذ ذلك اليوم. وكانت هذه الظبية التي تكفلت به قد وافقت مكاناً خصباً ومرعى أثيثاً (كثير النبات)؛ فكثر لحمها، ودرّ لبنها (سال وكثر)، حتى قام بغذاء الطفل أحسن قيام. وكانت أم عزة تظل بجواره ولا تبعد عنه إلا لضرورة الرعي. 4- بعد حولين وألف الطفل أم عزة، حتى أصبح لا يستطيع فراقها؛ فكلما أبطأت عنه يشتد بكاؤه فتطير إليه الظبية الحنون. ولم يكن بالجزيرة أحد من السباع العادية (المفترسة)، فتربى الطفل ونما، واغتذى بلبن الظبية، إلى أن تم له حولان (عامان). وتدرج الطفل في المشي، وأثغر (نبتت أسنانه). فكان يتبع الظبية. وكانت هي ترفق به وترحمه، وتحمله إلى مواضع فيها شجر مثمر. فكانت تطعمه ما تساقط من ثمراتها الحلوة النضيجة (التي طابت). وما كان منها صلب القشر، كسرته له بطواحنها (أضراسها). ومتى عاد الطفل إلى اللبن أروته، ومتى ظمئ إلى الماء أوردته (سقته). ومتى ضحى (أصابته الشمس) ظللته. ومتى برد أدفأته. إذا جنّ الليل (أظلم) صرفته إلى مكانه الأول، وجللته (سترته) بنفسها، وغطته بريش كان مملوءاً به التابوت الذي وضعته فيه أمه. وكانا في غدوّهما ورواحهما (في خروجهما صباحاً وعودتهما مساءً) قد ألفهما ربرب. أتعرف الربرب أيها القارئ الصغير؟ ما أظنك تعرفه، لأن هذه الكلمة فيما أعلم جديدة لم يألفها سمعك. فلتعلم أن الربرب هو: جماعة من بقر الوحش. وقد ألفت هذه الجماعة الظبية والطفل، فكانت تسرح معهما، وتبيت حيث مبيتها. فما زال الطفل مع الظبية على تلك الحال، يحكي نغمتها بصوتها حتى لا يوجد بينهما فرق، ويقلد نغمات ذلك الربرب الذي ألفه وحنا عليه بطبعه. وكان كذلك...]]> قصة قصـاص الأثـر https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%82%d8%b5%d9%80%d8%a7%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ab%d9%80%d8%b1/ Sat, 28 Mar 2020 15:19:19 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5065 قصاص الأثرالفصل الأول 1- ساكنة الكهف كانت “السعلاة” (أنثى الغول) تعيش في بعض الأزمان السالفة على بعد عشرين ميلاً أو تزيد عن مدينة بنارس: إحدى مدائن الهند المشهورة. وكانت هذه السعلاة قد اتخذت مأواها (مسكنها) في أحد الكهوف (البيوت النتقورة في الجبال). وعاشت السعلاة في مغارتها المظلمة الواسعة عيشة راضية (سعيدة). وقد خلقها الله سبحانه لتكون آية من آيات العجائب؛ فجعل لها وجه فرس، وجسم فتاة؛ ووهب لها القوة والبأس والشجاعة، فأصبحت تصارع النمرة فتصرعها، وتحارب الجيش فتقهره (تغلبه) بمفردها، وتهزم أبطاله وحدها. وكانت هذه السعلاة القوية الباطشة الغلابة، تعيش على ما تفترسه من الدواب والآدميين الذين يوقعهم في قبضتها سوء الحظ، ويرميهم في أسرها نكد الطالع (سوء البخت، والطالع هو ما يتفاءل- أو يتشاءم- به بعض الناس؛ من النجوم). وكانت تتربص الدوائر بعابري السبيل (تترصد للسائرين)، وتقطع الطريق على الذاهبين والعائدين، وتكمن لهم في جنبات الطريق، أو تختبئ بين أشجار الغابة الضخمة، ثم تنقض عليهم فتفترسهم وتعيش على لحمهم أياماً، حتى إذا نفذ رادها (فرغ طعامها)، بحثت عن فرائس جديدة أخرى. 2- الدرويش الهندي وفي ذات يوم وقع- في قبضة هذه السلعاة) فتى من دراويش الهند. وكان هذا الفتى قد خرج لسوء حظه وحيداً، وسلك تلك الطريق إلى مدينة بناريس، وهو يجهل أن السلعاة كامنة له فيها. ولم تكد السلعاة تراه حتى أمسكت به وحملته، ثم أخذت تعدو في سرعة لا يتصورها العقل، حتى إذا بلغت كهفها المظلم الرحيب (الواسع)، أودعت الدرويش (وضعته) فيه، لتأكله متى جاعت. وكان ذلك الدرويش في مقتبل شبابه، وهو يجمع إلى جمال الخَلق حسن الخُلُق. وقد أعجبت السلعاة بأدبه، وحسن حديثه وبراعة منطقه، فسألته قائلة: “أفترضى- لو أبقيت على حياتك- بالزواج بي، أيها الفتى الدرويش”؟ ولم يكن للدرويش بدّ من تلبية هذا الاقتراح، ليأمن على نفسه من الهلاك. وقد رأى بعد أن أطال التأمل، وأنعم (دقق) النظر- أن يختار لنفسه أهون الشرين، ويرضى باحتمال أخف الضررين. وهكذا تم زواجه بالسلعاة واشترى حياته بهذا الثمن. 3- بعد الزواج ومرت الأيام على ذلك الزواج وتخلّقت السلعاة الشرسة، بأخلاق زوجها الوديعة الدميئة (اللينة)، وأصبحت على مر الزمن أنيسة لطيفة، وكفّت (امتنعت) عن افتراس الناس، وعافت نفسها لحومهم (كرهتها)، وتغيّرت عاداتها كلها شيئاً فشيئاً، فأصبحت مثال الوداعة والوفاء، بعد أن كانت مثال الشراسة والغدر. أصبحت السلعاة مثل زوجها عاقلة رشيدة، تكره الإساءة، وتنفر من الأذى. وقد فرح الدرويش بهذه النتيجة السارة، وابتهج لهذا النجاح العظيم. 4- حذر السلعاة ولكن السلعاة على ذلك لم تكن مطمئنة إلى ثبات زوجها على عهده، وبقائه على الوفاء لها، بل كانت- على العكس من ذلك- واثقة من تبرّمه (ضجره وضيق صدره) بهذا الأسر، متثبّتة من تطلّعه إلى الفكاك منه، وشغفه بالحرية، وتحيّنه (ترقبه) كل فرصة تمكنه من الخلاص، وتتيح له الفرار (تيسر له الهرب) ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن ثم كانت السلعاة شديدة الحذر، دائبة الخوف، تتوقف فراره يوماً بعد يوم، وترقبه بين ساعة وأخرى، حتى لا يتحيّن منها غفلة، فيرجع إلى بلده آمناً مسروراً. وكانت لذلك تسدّ مدخل الكهف بصخرة كبيرة كلما خرجت منه، حتى إذا أحضرت ما يكفيها ويكفيه من الزاد، فتحت الكهف واطمأنت إلى بقاء زوجها بجانبها. وهكذا أصبح الدرويش التاعس أشبه بالعبد الرقيق (المملوك) الذي كتب عليه أن يقضي بقية عمره في سجن لا فكاك له من أسره، ولا مطمح (لا مطمع ولا أمل) له في الخلاص منه. 5- المولود الجديد وكانت السلعاة تقضي نهارها متربّصة بالقوافل (الجماعات المسافرة)، الذاهبة والآيبة (الراجعة)، حتى إذا وقعت إحداها في قبضتها، أخذت منها كل ما تريده من الزاد- طواعية أو كرهاً- دون أن تمسّ أحداً منهم بسوء. ثم تعود إلى زوجها بكل ما جمعته من لذائذ الأطعمة وأطايب الفاكهة. وانقضت على ذلك شهورة عدة، ثم وضعت السلعاة طفلاً جميل الشكل، بهي الطلعة، تلوح في نظراته- من الشجاعة- دلائل وعلامات، ويبدو على أساريره (خطوط جبينه)- من الذكاء- مخايل (أمارات). ومرّت السنون متعاقبة، فكبر الطفل، وأصبحت المخايل- التي كانت تلوح على وجهه- شمائل (صفات) في نفسه. واكتملت مواهبه (تمت مزاياه التي وهبها الله له)، واشتد ساعده، وأصبح على مر الأيام مثالاً للشجاعة والقوة والنشاط، برغم نشأته في ذلك السجن المظلم. وقد فرحت السلعاة بولدها، وأحبّته حباً شديداً، وضاعفت عنايتها بأبيه الدرويش، ولم تدّخر وسعاً في توفير أسباب السعادة لكليهما معا. 6- حوار الوالد وولده ولم ينس الدرويش وطنه- طوال هذا الزمن الذي قضاه في الكهف- وكان يتطلّع دائماً إلى الحرية، فما زال يفكر فيها، ويتحسّر على فقدانها، حتى كاد الهم يقتله، لولا أمل أتاحه ولده، فانتعش قلب الدرويش وعاوده الرجاء بعد اليأس، وأدرك أن ظفره بالحرية قريب، وأن خلاصه من الأسر وشيك (سريع). فقد قال له ولده ذات يوم: “خبرني- يا أبتاه- لماذا اختلف وجهانا عن وجه أمي”؟ فأجابه الدرويش قائلاً: إنما اختلف وجهانا عن وجه أمك، لأننا آدميّان، أما أمك فهي سعلاة من الغيلان. 7- صخرة الكهف فقال الغلام لأبيه: فما بالنا (ما شأننا) نعيش مع هذه الغول في مثل هذا الكثف المظلم، وما بالنا لا نخرج منه لنعيش بين رفاقنا وأبناء جنسنا من الآدميين”؟ فأجابه الدرويش: “إنما اضطررنا إلى ذلك اضطراراً، فقد سجنتنا أمك السعلاة في هذا الكهف، وسدّت منفذه بهذه الصخرة الهائلة التي لا يقدر على تحريكها أحد، ولولا ذلك لتم لي الفرار- من هذا السجن البغيض- منذ زمن بعيد”. فعجب الغلام مما سمع، وأسرع إلى الصخرة ودفعها بيده دفعة قوية، فتدحرجت على الفور وانفتح الكهف بعد أن كان مغلقاً. 8- في الهواء الطلق وكانت مفاجأة سارة مدهشة، ولكن الدرويش لم يكد يخرج من الكهف المظلم حتى بهر عينيه الضوء (غلبهما النور)، فكاد يذهب بنورهما. واختلج بصر الدرويش، وأصبح شبه أعمى؛ فأغمض عينيه طويلاً، ثم فتحهما بعد أن عصب رأسه، ثم رفع الغطاء عن عينيه قليلاً، حتى ألفت عيناه الضوء بعد جهد جهيد (بعد تعب شديد). وقد حمله الصبي، وانطلق يعدو به في سرعة نادرة، حتى جهده السير (أتعبه المشي)، وأضعف قواه. فجلس مع أبيه ليستريح من عنائه، ويجدد من قوته ما يمكنه من استئناف السير. 9- مقدم السلعاة وإنهما جالسان، إذ طرق أسماعهما صوت أقدام السلعاة، وهي تنهب الأرض نهباً، وتطوي الطريق طياً، في اقتفاء أثرهما (السير في طريقهما). ولم تكد تراهما حتى صاحة هوي مغضبة: “الويل لك أيها الزوج الجاحد! والويل لك أيها الطف العاق! أكذلكما تجزيانني على صنيعي (معروفي) أقبح الجزاء؟ خبراني: ما الذي حبب إليكما الهرب، وأغراكما بالفرار؟ ألم أتخذ لكما فراشاً وثيراً (ليناً) من ورق الشجر والطحلب (الخضرة التي تنبت على وجه الماء)؟ ماذا أعوزكما (احتجتما إليه) من طعام أو شراب؟ ألم أحضر لكما أشهى ما يشتهيه إنسان من أطايب الثمار ولذائذ الفاكهة”! فقال لها...]]> قصة بطل أتينا https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a8%d8%b7%d9%84-%d8%a3%d8%aa%d9%8a%d9%86%d8%a7/ Sat, 28 Mar 2020 15:10:40 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5059 بطل أتيناالفصل الأول 1 – في سفح جبل منذ آلاف مضت من السنين، ولد بطل هذه القصة – أعني: بطل أتينا – غي إحدا المدائن اليونانية القديمة، الواقعة على سفح جبل شاهق من جبال اليونان. وقضى بطل أتينا طفولته قريبا من ذالك الجبل الشاهق وعاش في تلك المدينة عيشة راضية، حيث ترعاه أمه الحنون وتعتني بنشأتة وثقلفته، وتقص عليه أحسن القصص، وتروي له كل معجب من أخبار الأولين، وتواريخ القدماء والمحدثي؛ لتبصره بحقائق الحياة وعظاتها، وتنفعه بما تحويه تلك الأحاديث من عبر سامية، ومتع شاهقة. 2 – ملك أتينا وكان أعجب ما تحدثه به أمه – من تلك الأحاديث البارعة – حديها عن أبيه؛ فقد قصت على ولدها: بطل أتينا– ذات يوم – أقاصيص معجبة، وصفت فيها ما أتاه والده من جلائل الاعمال، وعظائم الأمور، وقالت له فيما قالته: لقد عهد إلى أبوك أن أكون ساهرة على العناية بأمرك؛ ليفرغ هو العناية بالملك، والسهر على راحة الناس، وإقامت العدل بينهم، وهو يعيش في قصره الفاخر في مدينة أتينا. 3 – حوار الأم وولدها فقال لها بطل أتينا مدهوشا: وما بال أبي لا يأتي إلى بلدنا هذا ليعيش معنا وادعا، قرير العين برؤية ولده العزيز؟ فأجابته أمه باسمة: كيف السبيل إلى تحقيق هذه الأمنية، يا ولدي العزيز؟ إن أباك مشغول بسياسة الملك، وإقانة العدل بين رعيته. وليس في قدرته أن يترك هذه الفروض والواجبات المقدسة، ليبحث عن ولد الصغير. فقال لها ولدها: صدقت – يا أمي- فيما قلت. ولكن خبريني – أيتها العزيزة البارة – ماذا يعوقني عن السفر إلى مدينة أتينا ، حيث ألقى أبي، وأنعم به، وأمتع ناظري برئيته؟ فقالت له أمه: لك ما تحب وتريد – يا ولدي – ولكن الوقت لم يحن بعد؛ فأنت لا تزال في سن الطفولة. فاصبر – يا عزيزي – حتى إذا كبرت سنك، واكتملت قوتك، أذنت لك بالسفر إلى أبيك؛ فإن الطريق وعرة مخيفة، ولست آمن عليك أخطارها وأحداثها (مصائبها المفاجئة). 4 – صخرة الجبل فقال بطل أتينا متعجبا: ومتى تأمنين – يا أماه – بأني على حال من السن والقوة، تبيح لي أن أسافر وحدي، وأجتاز تلك الطريق المخوفة، دون أن تخشي على أحداثها وأخطارها؟ فقالت له أمه متوددة: أنك – يا ولدي – لم تعد سن الطفولة. ولن أسمح لك بالسفر إلى أبيك، إذا بلغت من القوة مبلغا يمكنك من رفع هذه الصخرة، التي نحلس عليها الآن في سفح هذا الجبل! فأسرع الصبي إلى تلك الصخرة، وبذل قصار جهده ليرفعها؛ فلم يقدر على تحريكها – من مكانها – قيد أنملة ( مسافة رأس إصبع)، وخيل إليه – لضخامتها وثقلها – أنها لاصقة بسفح الجبل. فقالت أمه باسمة: أرأيت – يا ولدي – كيف عجزت عن تحريك الصخرة من مكانها؟ فاصبر حتى تكبر سنك، ويقوى ساعدك، فترفع. الصخرة من مكانها بأدنى محاولة وأيسر جهد، وترى ما خبأناه لك تحتها من عتاد السفر. ومتى تم ذلك، أذنت لك بالذهاب إلى أبيك، وتملي رؤيته. 5 – بعد أعوام ومضى عل ذلك الحديث أعوام قليلة. وكان بطل أتينا وأمه يختلفان على ذلك المكان، ويجلسان على تلك الصخرة – كل يوم – حيث يتجاذبان أطراف الحديث، ويتمنيان أطيب الأماني. وذا صباح، جلسا – على عادتهما – على تلك الصخرة العالية، فذكر بطل أتينا حديث أمو الذي حدثته منذ أعوام. واشتد حنينه إلى لقاء أبيه؛ فبرقة عيناه من شدة الحماسة، إذ لاح له أن تحقيق أمنيته وشيك (سريع)، وإن إدراك مطلبه العزيز أصبح يسيرا عليه. فالتفت بطل أتينا إلى أمه قائلا: أمي العزيزة: لقد أصبحت الآن – فيما أعتقد – رجلا شديد البأس. وأغلب ظني أني قد بلغت من العزم ما يمكنني من رفع هذه الصخرة العظيمة. فماذا أنت قائلة؟ فأجابته أمه: ما أظن الوقت – يا ولدي – قد حان لبلوغ خذا المرام! فقال لها واثقا مزهوا (معجبا بنفسه) : إني جد واثق من قوتي. وسترين مصداق ما أقول. 6 – عتاد السفر وكانت هذه الصخرة الهائلة منغرسة في الأرض، وقد أنبتت عليها طول العهد كثيرا من الحشائش والطحائب. فجعل بطل أتينا يبذل كل ما في من قوة وجهد، حتى زحزح الصخرة من مكانها؛ ثم رفعها قليلا، وقلبها على جانبها الآخر. وما انتهى من ذلك حتى جهده التعب، وبلغ منه الإعياء كل مبلغ. فنظر إلى امه نظرة الظافر المبتهج؛ فرآها تبتسم له، وقد ذرفت عيناها من دموع الفرح – لإنتصار ولدها ونجاحه – ما ملأ قلبه ثقة ويقينا. ثم قالت له: سلمت يمينك – يا عزيزي – وأتم الله لك النصر، أيها الفارس الغلاب. فلا تتوان عن السفر بعد الآن، ولا تلبث في المدينة لحظة واحدة، واذهب بسرعة إلى أبيك الملك المظفر، فقد أوصاني ألا أسمح لك السفر فبل أن تزحزح هذه الصخرة العظيمة من مكانها بذراعيك القويتين. وقد ترك لك تحتها عتاد السفر. ونظر بطل أتينا فرأى فجوة تحت الصخرة، ورأى فيها سيفا مقبضه ذهبي، وإلى جانبه نعلا أبيه اللتان تركهما له ليحتذيهما في أثناء سفره إليه. 7 – وصية الجد فقالت أم البطل: هذا سيف أبيك، وهاتان نعلاه، فاذهب إلى مملكتة، وأعد عهد شبابه، واقتحم العقاب، وذلل الصعاب، وانهض بجلال الأعمال، وأعد سيرة أبيك الجرئ المقدام. فصاح بطل أتينا: إني راحل إلى أبي، وذاهب توا لتحقيق الأمنية الحبيب إلى نفسي تحقيقها. وما علم جده بما اعتزمه، حتى أقبل عليه يودعه، ويدعو له بالتوفيق في مسعاه، ويقول له: أمامك – يا حفيدي العزيز – طريقان، إحداهما: طريق البحر، وهي طريق آمنة ميسرة، والأخرى طريق البر، وهي شديدة الوعورة، محفوظة بالمخاوف والأخطار،مليئة بالوحوش واللصوص والثعابين ولست آمن عليك أن تقطع هذه الطريف المخوفة منفردا، وإن كنت أرى فيك – من شمائل الفروسية، ودلائل القوة – ما يرجح عندي أن التوفيق حليفك، مهما تلق من أخطار ومتاعب. فاختر لنفسك ما يحلو، ويبارك لك الله في حلك وترحالك، فأنت بالنجاح جدير. 8 – طريق أتينا فشكر بطل أتينا لجده نصيحته الثمينة، ثم ودعه مستأذنا في السفر. وودع أمه الحنون – بإحترام وأدب – وسار في طريقه راضي النفس، صادق العزم. ثابت الجنان (مطمئن القلب). وقد اختار لنفسه طريق البر؛ ليثبت – في تاريخ مجده – صحائف من البطولة لا تنسى على مر الأجيال، وتعاقب الزمن. وكان شديد الشوق إلى لقاء الوحوش، ومناجزة اللصوص (محاربتهم)، وتقحم الأهوال، والتغلب على الأخطار. وقد لقى – في طريقه – كثيرا نتها، وكتب الله له الفوز على أعدائه، والغلبة (الانتصار) على ما لقيه من متلعب وعقبات. ولن تسع هذه الصفحات وصف قليل من كثير ما لقيه بطل أتينا في طريفه من الأحداث والمخاطر، التي بهرت رجال عصره، ورفعت اسمه، وأذاعت شهرته في...]]> قصة تـاجر البـندقية https://totitoti.arabwalls.com/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%aa%d9%80%d8%a7%d8%ac%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%80%d9%86%d8%af%d9%82%d9%8a%d8%a9/ Sat, 28 Mar 2020 14:57:54 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5053 تاجر البندقيةالفصل الأول 1- البندقية البندقية مدينة جميلة فاتنة. هل سمعت بجمال البندقية أيها القارئ الصغير؟ إن كنت لم تزرها في حياتك، او لم تسمع بجمال موقعها وروعة مناظرها، فما أظنك قد نسيت ما قرأته عنها في الكتب الجغرافية التي تحدثك بأن مدينة البندقية من أجمل مدن إيطاليا، كما تحدثك أنها كانت مركز التجارة بين الشرق والغرب في العصور السابقة. وليس يعني أن أصف لك جمال هذه المدينة الآن، بمقدار ما يعنيني أن أحدثك بأن قصتنا- التي نرويها اليوم- قد حدثت فيها، وكان أبطالها وممثلوها من سكانها. 2- الصديقان في أصيل يوم من الأيام ( في وقت العصر منه)، وقد مضى على ذلك اليوم سنون طويلة- قبل أن تولد أيها الفتى العزيز- كان الصديقان الحميمان (المخلصان) “((أنطنيو))” و “((باسنيو))” سائرين في إحدى طرق البندقية، يتناقلان أشهى الأحاديث وأعذب الأسمار. وكانا في مقتبل شبابهما (في أوله). وقد أخلص كل منهما لصاحبه إخلاص الأخر الشفيق الحدب (الكثير الشفقة) لأخيه المخلص الوفي. وكانت ثيابهما تدل من يراهما على أنهما من علية القوة وسراة الناس (أشرافهم وسادتهم). وكانا – في الحقيقة- من أطيب الناس نفساً، وأصدقهم إخاءً (صداقة ومودة)، حتى ضرب بهما المثل في الوفاء. ولعلك تحب أن تعرف – بعد ذلك- في أي شأن كانا يتحدثان في ذلك الحين؟ فأنا عارف بميلك الشديد إلى معرف هذه التفاصيل. 3- مزايا الصديقين ولست أضن عليك بهذا الحديث. ولكن، ألا تحب أن تعرف خطر هذين الصديقين (عظم قدرهما) في عصرهما؟ ما بالك تبتسم؟ أكنت تظنني أجهل ما يدور بنفسك من الأسئلة. فلما رأيتني أحدثك به عجبت؟ كلا لا تعجب! فقد كنت طفلاً مثلك، وقد طافت برأسي هذه الأسئلة وأشباهها. فعلمت أنك مولع (شديد الرغبة والاهتمام) بالاستفسار عنها، كما كنت أنا شديد العناية بأمثالك لهذه الأسئلة. وإني قاص عليك ما يرضيك. ولن أدع سؤالاً أعرف أنه يهجس في نفسك (يخطر ببالك) إلا أجبتك عنه. وإني محدثك بأن “((أنطنيو))” كان تاجراً غنياً يملك سفناً كثيرة تمخر في البحار (تشق ماءها وتجري عليها)، مثقلة بأنفس البضائح. وكان – إلى غناه ووفرة ثروته- كريم النفس، سخي اليد، يعاون المنكوبين، وؤسّي المحتاجين، ولا يرد سائلاً. وكان يساعد الناس بماله وجاهه، ولا يدّخر وسعاً في إسعاد كل من يلوذ به (يلجأ إليه). وما أظنك في حاجة إلى أن تسألني رأي الناس فيه، فقد أدركت – مما سمعت- أن الناس قد أحبوه حباً لا يوصف، وأجلّوه إجلالاً لا حد له. ولعل هذا الحديث قد هاج (أثار) شوقك إلى تعرف شيء من مزايا صديقه “(( باسنيو ))”. وإني محدثك بأن “(( باسنيو ))” كان سيداً نبيلاً نشأ من أسرة غنية ماجدة (لها من المجد والعظمة نصيب). وقد أنفق كل ثروته وماله في مساعدة البائسين والمعوزين (الفقراء والمحتاجين)، ولم يدخر وسعاً في معاونة كل من يحتاج إلى معونته. وقد أحبه الناس لكرمه ومروءته، كما أحبوا صديقه “(( أنطنيو ))”. وكان من المألوف أن تقوى أواصر الصداقة (أسبابها وعلاقاتها) بين هذين السيدين، لأن كل إنسان يعمل على شاكلته (طريقته)، ويقبل على شبهه. ولن يكون الصديق إلا مثالاً لمن يصاحبه، خيّراً كان أم شريراً. 4- حديث الصديقين بقي عليّ أن أقص عليك حديث الصديقين، فقد طال شوقك إلى سماعه. كان (( باسنيو )) و(( أنطنيو )) كما قلت لك، خير مثال للصديقين المتحابين اللذين لا يدخر أحدهما أي جهد في إسعاد الآخر. وكان يتحدث عنهما الناس بأنهما روح في جسدين، يسعد أحدهما كل ما يسعد صديقه، ويشقيه كل ما يشقى صاحبه. وكانا – في تلك الساعة- يتحدثان عن أمانيهما في الحياة ورغباتهما، في أثناء تجوالهما (طوافهما) في مدينة البندقية. فقال (( باسنيو )) لصديقه (( أنطنيو )): “لقد أثقلت عليك يا صاحبي هذه الأيام، بعد أن نفدت (فنيت) ثروتي. ولا أزال أجدني مضطراً إلى إرهاقك (مضايقتك)”. فأجابه (( أنطنيو )) باسماً: “إن الصديق لن يكون جديراً بهذا الاسم (مستحقاً له) إلا إذا بذل لصاحبه (أعطاه) كل ما يستطيع أن يبذله من جاه ومال. وما أجدرك أن توليني كل ثقتك، وأن تفضي إلي بدخلتك (تصرح لي بسرك). وإني مؤكد لك أن كل ما تطلبه مني، محبب إلى نفسي إنجازه، كلفني ذلك ما كلفني من مال وعناء. فلست أدخر وسعاً في سبيل إسعادك”. فقال له ( (( باسنيو )) ) وقد امتلأ قلبه بشكر صديقه: (( هكذا عودني اخائك يا صديقي الوفي. لقد علمت ما آلت إليه ثروتي، بعد ان عجزت عن تحقيق أملي في نيل ذلك المنصب السامي الذي لم آل جهدا (لم أقصر) في السعي إليه. وقد عاقبني الزمن – كما تعلم – على خطئي. فإنني لم أتروة ( لم أستعمل الروية والفكر والتأني) في الأمر، ولم أقس قدرتي إلى غايتي التي طمعت في ادراكها. على انني احمد الله – سبحانه – إذا وفيت كل ديني، وإن كان ذلك الوفاء قد كلفني فقدان كل ما أملك من ثروة)). ثم أطرق ((باسنيو)) ( امال رأسه ) لحظة. وكان (( أنطنيو )) يصغي إلى حديث صاحبه بقلبه وسمعه. فعرف ما يجول بنفسه من المعاني التي يمنعه الخجل من الأفضاء بها إليه. فقال له يشجعه على الاسترسال في حديثه: (( قل فأنا أسمع، وأتمم حديثك يا (( باسنيو))، ولا تتردد في الوثوق بي والإعتماد على إخائي)). فقال ((باسنيو)): (( إني لا أستطيع أن أتابع تلك الرحلة الطويلة لعجزي عن الانفاق. ولقد حان موعد زواجي، وليس عندي من المال ما استعين به على قضاء فروض العرس. وسيحول إفلاسي ( يقوم حاجزا ) بيني وبين المضي لتنفيذ تلك الخطة، ولقد اشتدت حاجتي إلى اقتراض ثلاث آلاف من الدنانير لتحقيق هذا الحلم الجميل)). فقال له ((أنطنيو)): (( لست أتدخر وسعا في تحقيق أمانيك، ولكنك تعلم – يا صديقي – أن ثروتي كلها بعيدة عني الآن، فإن مراكبي لم تصل إلي بعد. وليس في قدرتي أن أجمع لك هذا القدر من مالي إلا بعد ان تصل إلي سفني ومراكبي. على أنني سأعمل من أجلك ما لم أعمله في حياتي قط! وستكون هذه أول مرة ألجأ فيها إلى الاستدانة ( أخذ المال من طريق الدين )، ولن أعجز عن اقتراض هذا المال. فإن ثقة الناس بي تيسر لي اسباب الحصول على ما اريده.)) 5 – ختام الحديث أرأيت – أيها الفتى العزيز – إلى أي مدى بلغ وفاء (( أنطنيو )) لصديقه؟ لقد آثره ( فضله ) على نفسه، وأحب لح أكثر ما أحبه لنفسه، ورضي أن يستدين من أجله، ولم يكن ليقبل أن يستدين درهما واحدا في حياته قبل هذا اليوم. ولكن وفاء غلبه على أمره، فلم يخيب رجاء صديقه وثقته به. وقد شعر (( باسنيو )) في أعما نفسه بما يبذله صديقه ((...]]> مسرحية العاصفة https://totitoti.arabwalls.com/%d9%85%d8%b3%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d9%81%d8%a9/ Sat, 28 Mar 2020 13:57:09 +0000 https://www.totitoti.com/?p=5048 العاصفةفاتحة القصة لعلك تعرف أيها القارئ الصغير اسم ذلك البحر الكبير الذي يصل القارة الافريقية عن القارة الأوروبية. ولعلك قد وقفت ذات يوم على شاطئ هذا البحر العظيم، ورأي ماءه الأزرق! فإذا كنت ترى هذا البحر في حياتك مرة واحدة، فما أحسبك تجهل اسمه؛ فقد أخبرتك به كتب الجغرافية. لعلك تذكر الآن اسم هذا البحر الواسع العميق، هو البحر الأبيض المتوسط. ولعلك تعرف إلى هذا أن في ذلك البحر كثيراً من الجزائر! على أن الجزائر الكثيرة لا تعنينا في هذه القصة. إنما تعنينا جزيرة واحدة كانت بين إيطاليا وتونس. فلأحدثك بما وقع في تلك الجزيرة. برسبيرو وميرندا لم تكن الجزيرة مقفرة (خالية من الناس). ولو كانت كذلك لما حدثت فيها هذه القصة الجميلة التي أريد أن أقصها عليك. كان يعيش في الجزيرة شيخ طيب القلب، صافي النفس، اسمه: برسبيرو، ومعه فتاة وديعة هائدة، كريمة النفس، اسمها ميرندا. وقد عاشت مع أبيها برسبيرو في تلك الجزيرة مدةً من الزمن، وكانت قد وفدت (قدمت) معه إليها وهي طفلة صغيرة؛ فلم تذكر أنها رأت وجه إنسان آخر غير أبيها. وكانت ميرندا هذه لطيفة، جميلة الخَلق والخُلُق (حسناء الصورة، كريمة الفعال). أما شعرها فمرسل على كتفيها (مسبل غير مضفور)، وأما صوتها فمنسجم موسيقيّ، لا ترفعه ثورة اليأس والغضب. وصفوة القول أن ميرندا قد جمعت إلى جمال الوجه، رجاحة العقل؛ فأحبها أبوها حباً شديداً، وأصبحت سلوته وعزاءه وسعادته في الحياة. وقد مرت بهما الأيام هنيئة رغيدة، وصفا عيشهما، وطاب لهما المقام. بيت برسبيرو وكان برسبيرو قد اتخذ له بيتاً في تلك الجزيرة في أحد الكهوف، وقسمه ثلاثة غرف: أولاها لميرندا، والثانية للمائدة حيث يأكل مع ابنته، والثالثة لمكتبته حيث يقضي جزءاً من وقته في مطالعة كتب السحر ودرس فنونه. وقد كان يحرص على تلك الكتب أشد الحرص، ويعلق عليها أكبر الآمال. ولم يكن برسبيرو يعرف هذه الجزيرة قبل مجيئه إليها، ولم يخترها سكناً له. ولم يدر بخلده (لم يمر بخاطره) من قبل أن هذه الجزيرة المجهولة ستكون وطنه ووطن ابنته عدة سنوات. فقد جاء الجزيرة كما اتفق (مصادفة)، واضطرته المقادير (ما يقدره الله من الحوادث) إلى البقاء فيها حتى يأذن الله له أن يعود إلى وطنه. الساحرة سكوركس ولما حل برسبرو بالجزيرة عرف كثيراً من الأسرار العجيبة التي هدته إليها فنون سحره. ولم يكن ليستطيع أن يتعرف هذه الأسرار لولا خبرته الواسعة باساليب السحر وفنونه. فقد علم أن ساحرة خبيثة اسمها سكوركس كانت تسكن الجزيرة من قبله، وأنها استطاعت بما أوتيت من قوة السحر وسلطانه أن تملأ الجزيرة بطائفة من أشرار الجن. ولم تشأ أن تترك أخيارهم أحراراً، وأبى عليها خبثها ولومها إلا أن تسجنهم في جذوع الأشجار. فلما ماتت تلك الساحرة الخبيثة، استطاع برسبيرو بما أوتي من سلطان السحر أن يطلق سراح هؤلاء الجن الأخيار الذين أسرتهم الساحرة، وأن يتخذ منهم أعواناً وخدماً يؤدون له كل ما يحتاج إليه. آريـل وكان من بين هؤلاء الجن الأخيار الذين أطلق برسبيرو سراحهم بعد موت الساحرة الخبيثة جني كريم النفس، قوي البأس (عظيم الشجاعة، شديد البطش والفتك)، اسمه آريل. وكان جميع سكان الجزيرة من الجن يخضعون له، ويدينون (يذعنون) بالزعامة لقوته. وقد أخلص ذلك الجني الكريم لسيده برسبيرو الذي أنقذه من سجنه، وأصبح له خادماً أميناً لا يعصي له أمراً، ولا يتردد في تلبية كل ما يطلبه. وكان آريل يبدو (يظهر) لسيده في ثوب شفاف، في مثل لون الضباب، وفي وسطه حزام سماوي اللون. وكان له جناحان شفافان يشع النور من خلالهما، وتدلّ سيماه وهيئته على إخلاصه وذكائه، وكرم نفسه. كليبان وكان إلى جانب ذلك الجني الظريف الوفي شيطان آخر اسمه كليبان، وهو ابن الساحرة الخبيثة سكوركس التي حدثتك عنها من قبل. وكان كليبان دميم الصورة، قبيح الوجه، سيء الخلق، خبيث النفس؛ كما كان أشعث (متفرق الشعر)، كريه المنظر. وقد نبت الشعر الكثيف على ذراعين وساقيه فغطاها، وجعله أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. فهو في أغلب الأحايين يصرخ ويهدر (يردد صوته في حنجرته كما يفعل الجمل)، ويعوّي في صخب (ضجيج) مفزّع، وتستولي عليه بواعث الغضب لأتفه الأشياء؛ فتتجلى الشراسة (سوء الخُلق وكثرة العناد) والقسوة والعنف في كل حركة من حركاته. بين آريل وكليبان وكان هذا الشيطان الخبيث أسوأ رفيق لبرسبيرو. ولم يكن لصاحبنا برسبيرو بدٌ من مصاحبته. وكان برسبيرو والد ميرندا على ما وهبه الله من جمال الخلق، وصفاء النفس، مضطراً إلى معاملة كليبان بقسوة وفظاظة، وغلظة وخشونة. فأصبح يسخّره ويستخدمه في قطع الأخشاب وحملها إلى داره، كما يسخره في أداء كل عمل شاق؛ حتى لا يدع لذلك الشرير الخبيث وقتاً من أوقات الفراغ يصرفه في الشر والضرر. وكان كلما عمد إلى الكسل، أو تهاون في أداء ما عليه من الفروض والواجبات، هدده آريل بالعقاب، وصرفه إلى واجبه، وأنذره في قسوة وعنف بأنه إذا لم يخفّ إلى أداء واجبه في إخلاص ونشاط، سحق، أو نكّل به شرّ تنكيل وآذاه شر أذية، أو لقي به في أقذر مستنقع. وكان آريل قادراً على التحول في أي شكل شاء: فتارة تراه في شكل وحش، وثانية في شكل قرد، وثالثة في شكل قنفذ، وغير ذلك من الأشكال المفزّعة التي تملأ نفس كليبان رعباً، وتضطره إلى تلبية أمره، والخضوع لإشارته. وليس في وسع كليبان أن ينتقم لنفسه من آريل إلا بالسباب والشتم وتعبيس الوجه وتقطيبه. ولم يكن شيء من هذا ليضير آريل أو يخيفه منه؛ فإن الشتم والسباب أضعف حيلة يلجأ إليها العاجز الضعيف، وهما دليلان على سوء الأدب وخبث النفس. وما أحسبك أيها الصغير العزيز ترضى عن خلق كليبان أو ترضى عمن يقلده فيه. مزايا آريل أما آريل فهو على العكس من صاحبه، دائم الابتسام، شديد النشاط، كثير الحركة. وهو كما قلنا قادر على التحول إلى أي صورة أراد، وفق ما يحلو له. فتارة تلفيه قد تحول إلى فتاة جميلة تحمل في يدها طاقة من الزنبق، وتارة تراه في صورة عصفور، وكان إلى ذلك مغنياً حسن الصوت، رائع الغناء؛ فأصبح أنس رفاقه الجن. وقد كانوا يحبونه أشد الحب، وكثيراً ما غناهم أطيب الأغاني وأعذب الأناشيد. وكان إلى ذلك يهيمن على الرياح، ويسيطر على أمواج البحر. فإذا شاء أحدث عاصفة هوجاء (زوبعة تهب في نواحٍ مختلفة)، وأثار أمواج البحر، وأغرق السفن وراكبيها، وإذا شاء سكّن العاصفة، وجعل أمواج البحر هادئة، فسارت السفن في سلام وطمأنينة. الفصل الأول هبوب العاصفة اثار برسبيرو ذات يوم عاصفة هوجاء في ذلك البحر العظيم. ولم يدر أحد حينئذ لأي سبب خفيّ أثار برسبيرو هذه العاصفة؟ وقد كان من المستطاع أن يرى الإنسان في ذلك الوقت إذا وقف على شاطئ الجزيرة، ارتفاع الأمواج واصطخابها (تخبطها وشدة اختلاط أصواتها)، ويشهد اضطراب البحر وهياجه، حتى ليخيل إليه أن...]]> كليلة ودمنة https://totitoti.arabwalls.com/%d9%83%d9%84%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%af%d9%85%d9%86%d8%a9/ Sat, 22 Feb 2020 03:46:49 +0000 https://www.totitoti.com/?p=4457 كليلة ودمنةأبو محمد عبد الله المعروف بابن المقفع المولود عام 724 م والمتوفي 759 م مؤلف وكاتب من البصرة تقول بعض المصادر أن والده كان من أصل فارسي مجوسي لقب أبوه بالمقفع لأنه اتهم بالاختلاس لمال الخراج، فضرب-الحجاج- على يده فتشنجت، قام المنصور بقتل ابن المقفع لأسباب سياسية، وكان الوالي يكرهه فأمر بقتله. رافق الأزمات السياسية في زمن الدولتين الأموية والعباسية. درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة التي وصلت إلينا الأدب الكبير والصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالسلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة من أعماله مقدمة كليلة ودمنة. أما بعد فهذه مقدمة نذكر فيها السبب الذي من أجله عمل بيدبا الفيلسوف الهندي رأس البراهمة لدبشليم ملك الهند كتابه الذي سماه كليلة ودمنة وجعله على ألسن البهائم والطير صيانة لغرضه الأقصى فيه من العوامّ، وضنّاً بما ضمنه عن الطّغام، وتنزيهاً للحكمة وفنونها ومحاسنها وعيونها، إذ هي للفيلسوف مندوحة، ولخاطره مفتوحتة، ولمحبيها تثقيف ولطالبيها تشريف، ونذكر السبب الذي من أجله أنفذ كسرى أنو شروان ملك الفرس برزويه رأس الأطباء إلى بلاد الهند لأجل كتاب كليلة ودمنة وما كان من تلطف برزويه عند دخوله إلى الهند حتى وقع على الرجل الذي استنسخه له سراً من خزانة الملك ليلاً مع ما وجد من كتب علماء الهند، ويجيئه بالكتاب مع الشطرنج التامة التي كانت عشرة في عشرة. ونذكر مقدار فضيلته ونخص أهل اقتنائه على الالتفات إلى دراسته والمداومة على فراسته وفيما ضمّن من فوائده ومنافعه ويرى أنها أفضل من كل لذة صرفت إليها همته والنظر إلى باطن كلامه وأنه إن لم يكن كذلك لم يحصل على الغاية منه. ونذكر حضور برزويه وقراءة الكتاب جهراً والسبب الذي من أجله وضع بزرجمهر ابن البختكان مقدمة في أصل الكتاب وهو باب مفردٌ سماه باب برزويه المتطبب، ويذكر فيه شأن برزويه من أول أمره وأوان مولده إلى أن بلغ التأديب ورغب في التدين وأحب الحكمة وتفنن في أنانها وجعله قبل باب الأسد والثور الذي هو أول الكتاب. كتاب كليلة ودمنة باب بعثة كسرى لبرزويه إلى بلاد الهند في طلب كتاب كليلة ودمنة باب برزويه عرض كتاب كليلة ودمنة باب الأسد والثور باب الفحص عن أمر دمنة باب الغراب والمطوقة والجرذ والسلحفاة والظبي باب البوم والغربان باب القرد والغيلم باب الناسك وابن عرس باب إيلاذ وشادرم وإيراخت باب السنور والجرذ باب الملك والطير فنزة باب الأسد والشعهر الصوام باب السائح والصائغ والقرد والببر والحية باب ابن الملك وابن الشريف وابن التاجر وابن الأكار باب الأسوار واللبوءة والشعهر باب الناسك والضيف باب الحمامة والثعلب ومالك الحزين فلما انتهى الملك والفيلسوف إلى باب الحمامة والثعلب ومالك الحزين سكت الملك وقال الفيلسوف: عشت أيها الملك ألف سنة وملّكت الأقاليم السبعة وأعيطت من كل شيء سبباً وبلغة منك في السرور برعيّتك ومنهم قرة عين بك ومساعة من القضاء والقدر، فإنك قد كمل فيك الحلم وذكا منك العقل والحفظ وتم فيك البأس والجود، واتفق منك العقل والقول والنية، ولا يوجد في رأيك نقص ولا في قولك سقط ولا في فعلك عيب، وجمعت النجدة واللين فلا توجد جباناً عند اللقاء ولا ضيّق الصدر بما يوثق بك من الأشياء. وقد شرحت لك الأمور ولخصت لك جواب ما سألتني عنه منها. واجتهدت لك في رأيي ونظري ومبلغ فطنتي التماس قضاء حاجتك. فاقض حقي بحسن النية بإعمال فكرك وكرم طبيعتك وعقلك فيما وصفت لك. إنه ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع له فيه. ولا الناصح باولى بالنصيحة من المنصوح له بها. ولا المتعلم بأبعد من العلم ممن يعلمه. ومن تدبر هذا الكتاب بعقله وأعمل فيه رأيه بأصالة من فكرته كان قمناً للمراتب العظام والأمور الجسام مع مساعدة القدر ووقته إذا حضر فلا يسأم أمراً ويكف عن النظر فيه والتدبر له. والله يوفقك أيها الملك ويسددك ويصلح منك ما كان فاسداً ويسكن من غرب حدتك ما كان حاداً، وتسليم الرحمة على أرواحك وأرواح آبائك الطاهرين الماضين معشر أهل بيت العقل والأدب والفضل والجود والكرم.]]> باب الحمامة والثعلب ومالك الحزين https://totitoti.arabwalls.com/%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%b9%d9%84%d8%a8-%d9%88%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b2%d9%8a%d9%86/ Fri, 21 Feb 2020 18:39:44 +0000 https://www.totitoti.com/?p=4398 الحمامة والثعلب و مالك الحزينقال الملك للفيلسوف: قد سمعت هذا المثل فاضرب لي مثلاً في شأن الرجل الذي يرى الرأي لغيره ولا يراه لنفسه. قال الفيلسوف: إن مثل ذلك مثل الحمامة والثعلب ومالك الحزين. قال الملك: وما مثلهم؟ قال الفيلسوف: زعموا أن حمامة كانت تفرّخ في رأس نخلة طويلة ذاهبة في السماء. فكانت الحمامة إذا شرعت في نقل العيش إلى رأس تلك النخلة لا يمكنها ذلك إلا بعد شدة وتعب ومشقة لطول النخلة وسحقها. فإذا فرغت من النقل باضت ثم حضنت بيضها. فإذا فسقت وأدرك فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت علمه يقدر ما ينهض فراخها فيقف بأصل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يرقى إليها فتلقي إليه فراخها. فبينما هي ذات يوم وقد أدرك لها فرخان إذ أقبل مالك الحزين فوقع على النخلة. فلما رأى الحمامة كئيبة حزينة شديدة الهم قال لها: يا حمامة ما لي أراك كاسفة البال سيئة الحال؟ فقالت له: يا مالك الحزين، إن ثعلباً دهيت به كلما كان لي فرخان جاءني يهددني ويصيح في أصل النخلة فأفرق منه فأطرح إليه فرخيّ. قال اله مالك الحزين: إذا أتاك ليفعل ما تقولين فقولي له: لا ألقي إليك فرخيّ فارْق إليّ وغرر بنفسك. فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخي طرت عنك ونجوت بنفسي. فلما علّمها مالك الحزين هذه الحيلة طار فوقع على شاطئ نهر. فأقبل الثعلب في الوقت الذي عرف فوقف تحتها ثم صاح كما كان يفعل. فأجابته الحمامة بما علمها مالك الحزين. فقال لها الثعلب: أخبريني من علمك هذا؟ قالت: علمني مالك الحزين. فتوجه الثعلب حتى أتى مالكاً الحزين على شاطئ النهر فوجده واقفاً، فقال له الثعلب: يا مالك الحزين إذا أتتك الريح عن يمينك أين تجعل رأسك؟ قال: أجعله عن شمالي. قال: فإذا أتتك عن شمالك أين تجعل رأسك؟ قال: أجعله عن يميني أو خلفي. قال: فإذا أتتك من كل مكان ومن كل ناحية أين تجعله؟ قال: أجعله من تحت جناحي. قال: وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحك؟ ما أراه يتهيّأ لك. قال: بلى. قال: فأرني كيف تصنع. فلعمري يا معشر الطير لقد فضلكم الله علينا. إنكن تدرين في ساعة واحدة مثل ما ندري في سنة وتبلغن ما لا نبلغ وتدخلن رؤوسكن تحت أجنتكن من البرد والريح فهنيئاً لكنّ. فأرني كيف تصنع. فأدخل الطائر رأسه تحت جناحه فوثب عليه الثعلب فأهذه فهمزه همزة دق بها صلبه ثم قال له: يا عدوّ نفسه ترى الرأي للحمامة وتعلمها الحيلة لنفسها وتعجز عن ذلك لنفسك حتى يتمكن منك عدوك، ثم قتله وأكله.]]>